بمجرد أن سألته عن القتال مع المتمردين الحوثيين ، اظهر لي الشاب ناصر على ضاوي احد أبناء القبائل المساندين للجيش في عملياته ضد الحوثيين خنجرا قال إنه حصل عليه من احد الحوثيين القتلى . في أعلى منطقة وعرة وقاحلة تدعى " الجبل الأسود " بمديرية حرف سفيان حيث تتخذ خمسة ألوية عسكرية موقعا لها لشن هجماتها على معاقل المتمردين وقف ضاوي ، 20 عاما، بهيئته الرثة ووجهه الذي يكسوه التراب يتحدث عن معارك شرسة تجري هناك، حيث قال ل"الرياض":"على الرغم من أننا نقتل العديد من الحوثيين ، إلا أنهم مقاتلون اقوياء وقناصة عسيرون. معاركنا معهم تشتد في المساء حيث يهاجموننا بالقنابل والقذائف." ويقول ضاوي ان هناك نحو 400 من رجال القبائل المقاتلين مع الجيش في حربه السادسة ضد الحوثيين والتي بدأت في 11 أغسطس الماضي في حرف سفيان وصعده ، المعقل الرئيسي للمتمردين الذين يخوضون حرب عصابات تعتمد على الكر والفر. منصر حسين خضير ، 22 عاما ، هو أيضا مقاتل من قبائل حاشد ، اكبر قبيلة في اليمن ، والتي سبق أن أعلنت دعمها للجيش ودفعت بالمئات من مقاتليها إلى ساحة المعركة. يقول خضير الذي كان يرتدي لباسا تقليديا و يحمل بندقية كلاشنيكوف تتدلى على كتفه ، انه لا يقاتل فقط من اجل اليمن بل أيضا من اجل الغنائم والعتاد الحربي الذي يمتلكه الحوثيون." أنا أقاتل للدفاع عن بلدي ولكن أيضا لأن الحوثيين لديهم الكثير من السلاح والقنابل وأود أن أحصل على بعض منها ". مشاركة القبائل في القتال مشاركة رجال القبائل في القتال تبقى محل جدل .ففيما تراها الحكومة دعما شعبيا من القبائل للجيش وواجباً وطنياً من قبلها في حماية الثورة والنظام الجمهوري، يرى آخرون انها تؤجج النزاعات والثارات القبلية خاصة وان بعض ابناء قبيلة بكيل يرون ان مشاركة أبناء قبيلة حاشد في القتال ما هي في حقيقتها إلا حرب تحركها دوافع قبلية ضدهم. مقاتلون من حاشد أكدوا أن أفراد من قبيلة بكيل تتسلم السلاح من الحكومة وتدعى مناصرتها لها في النهار وتتعاون مع الحوثيين في الليل ربما بسبب مشاركة أبناء حاشد في المعركة، وهو الأمر الذي يضفي الكثير من التعقيدات على هذه الحرب المستمرة منذ خمس سنوات. معارك كبرى احد الجنود في الجبل الأسود قال إن الجيش أحرز تقدماً ملموساً على أرض المعركة خاصة بعد انضمام لواء العمالقة إليه وهو اللواء المعروف بشجاعة ومهارة منتسبيه . ويقول الجندي الذي طلب عدم ذكر اسمه "إننا نحرز تقدما كبيرا ، لا سيما بعد انضمام لواء العمالقة قبل نحو شهر ؛ العديد من جثث القتلى من المتمردين منتشرة في منطقة الشقراء لعدة أيام ، ونحن الآن نحاصر مدينة الحرف من جوانب مختلفة." لكنه أقر ان مهمة الجيش في اقتحام المدينة لن تكون سهلة لأنها زرعت بحوالي 700 لغم محلي الصنع. وقال :"أتوقع معركة كبيرة عندما نواجه المتمردين في المجزعة والعمشية والحيرة " ، وهي معقل لقيادة الحوثيين وفيها يتمركز العديد من مقاتليهم وأنصارهم. ضابط في الجيش طلب عدم نشر اسمه أكد ان عشرات الأشخاص المطلوبين من قبل أجهزة الأمن لارتكابهم جرائم مختلفة يقاتلون في صفوف المتمردين. وقال"نحن نعلم أن العشرات من المجرمين المطلوبين يدعمون المتمردين لأنهم يعتقدون أنه اذا تم التوصل الى تسوية سياسية بين الحكومة والحوثيين ، فإنهم سيكونون جزءاً من الاتفاق" . مناطق الخطر الذهاب إلى حرف سفيان والوصول الى الجبل الاسود الذي يبعد 171 كيلو متراً من صنعاء ضرب من المخاطرة، فالطريق الرئيس الذي كان يربط العاصمة صنعاء بمحافظة صعدة عبر حرف سفيان يكاد يخلو من الناس إلا من سيارات الجيش التي تكسر الصمت ذهابا وإيابا محملة بالجنود ورجال القبائل الذين يقاتلون مع الجيش ضد الحوثيين خاصة كلما اقتربنا من الجبل الاسود. كما يتعذر الاتصال كلما زاد اقترابك من حرف سفيان، حيث تكثر نقاط التفتيش والمطبات الأرضية في الطريق التي كلما قطعت فيها شوطا كبيرا نحو الشمال تشعرك بأن معارك طاحنة تدور في الجهة الأخرى من الجبل الأسود حيث كنا نسمع لعلعة متقطعة لصوت المدافع والرشاشات،. طرق جديدة شقت في الجبال المجاورة قال مرافقنا المحلي أنها ربما ستستخدم كمتاريس. وبعد خروجنا من موقع الجبل الأسود وعلى بعد مئات الأمتار سمعنا دوي انفجار ورأينا أعمدة الدخان والتراب تتصاعد من الجبل. كان من الصعب العودة ومعرفة ما حدث كون الوصول إلى الجبل لم يكن ممكنا فضلا على ان منطقة حرف سفيان وصعدة مغلقة أمام الصحفيين. ناصر ضاوي أحد رجال القبائل المقاتلين ضد الحوثيين في الجبل الأسود بحرف سفيان قيل لنا بعد ذلك الانفجار سببه قذيفة دبابة، لكن بعض الجنود ورجال القبائل الذين التقينا بهم في الجبل الأسود قالوا إن قذائف الهاون التابعة للمتمردين تصل بعض الوقت إلى اجزاء من الموقع الممتد على مساحة واسعة مما يعني انه رغم تقدم الجيش باتجاه المدينة لا يزال في مرمى نيران الحوثيين الذين ينفون في بياناتهم أية تقدم للجيش وسيطرته على حرف سيفان. تزايد أعداد النازحين شراسة القتال زادت في أعقاب فشل كل مبادرات التهدئة من قبل الجانبين خلال الشهرين الماضيين، وإعلان الرئيس علي عبدالله صالح أواخر سبتمبر أن حكومته مستعدة لقتال الحوثيين ولو لخمس أو ست سنوات. حدة المعارك أيضا زادت من تدفق أعداد النازحين. اذ يؤكد عبيد مردم رئيس جمعية الهلال الأحمر اليمني في محافظة عمران ان هناك نحو 60 أسرة تنزح يوميا من صعدة وحرف سفيان. "إن وضع النازحين كارثي. النزوح مستمر وعددهم آخذ في الارتفاع ما دامت المعركة مستمرة اما الشيخ علي ضاوي ، نائب رئيس المؤتمر الشعبي الحاكم في حرف سفيان فيؤكد ان 35 ألفاً من أصل 45 ألف هم قوام سكان حرف سفيان تشردوا بسبب القتال. وتشير منظمات الإغاثة الدولية ان عشرات الآلاف من اليمنيين الذين شردهم القتال يعيشون في مخيمات موقتة ، وعلى قارعة الطرق وفي العراء في عمران وحجة وصعدة والجوف. عبد الله حسن العوام ، 60 عاما ، فر من منزله في قرية حيدان في صعدة قبل عشرة أيام ومعه 7 من أفراد الأسرة و 50 شخصا آخرين. استغرقت رحلة العوام يومين حتى وصل إلى مدينة عمران حيث يسكن في العراء ويقول "هربنا بسبب قصف الطائرات لحيدان التي يسيطر عليها الحوثيون. استغرقنا يومين للوصول إلى هنا [مدينة عمران]. كنا نعيش في خوف حيث يقوم الحوثيون بإطلاق النار من أماكن قريبة من منازلنا. وقصفت طائرة حربية منزلاً قريباً منا وقتل ثلاثة أشخاص فقررنا الرحيل." ويؤكد العوام الذي ترتسم على وجهه الشاحب مأساة التشرد و الذي التقيناه بمدينة عمران أنهم يعيشون في العراء. وقال وهو يحتضن طفله الصغير"فاعلو الخير هنا قبلوا إيواء نساءنا في منازل لهم بينما نحن الرجال ننام هنا في العراء دون مأوى وليس لدينا بطانيات وفرش . إنها حالة بائسة" . وتقدر الأممالمتحدة أن الجولة الجديدة من القتال شردت نحو 55 ألف شخص يضافون إلى 95 ألف آخرون نزحوا خلال الجولات السابقة من القتال والذي بدأ بإعلان حسين الحوثي التمرد على الدولة في يونيو 2004 ليلقي بعدها مصرعه في سبتمبر من نفس العام. المخيمات السابقة التي أقامتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مدينة صعدة امتلأت بالنازحين الفارين من الموت الذي يلاحقهم في كل منطقة على الرغم من ان مدينة صعدة أصبحت نفسها غير أمنة وتشهد من وقت لآخر مواجهات بين خلايا الحوثي والجيش. وأقامت المفوضية مخيماً في المزرق بمحافظة حجة حيث يؤوي سبعة آلاف شخص ويشكو القادمون إليه نقص أماكن الإيواء والمواد الغذائية بينما يؤكد المسؤلون فيال مفوضية أن المخيم يأوي أكثر من قدرته الاستيعابية. سكان محاصرون .. ومخيمات شحيحة وفي حرف سفيان ومدينة عمران فشلت الجهود في إقامة مخيم للنازحين في مديرية خيوان بمحافظة عمران بسبب صراع بين القبائل هناك على قطعة الأرض التي كان سيقام عليها المخيم. وقال مردم "حاولنا إقامة 32 خيمة في خيوان قدمتها مفوضية اللاجئين لكن فريقنا تعرض لإطلاق نار من الاشخاص المتنازعين على ملكية الأرض. ولقد فشلنا في إقامة مخيم في مدينة عمران ، لأن الدولة ليس لديها مكان مناسب لإقامة المخيم والمواطنون رفضوا إقامة المخيم على أراضيهم ، فأضطررنا إيواء بعض الأسر في بيوت قديمة ومهجورة." على الرغم من ان المكان السابق للمخيم لم يكن امناً وسبق ان سقطت قذيفتان بالقرب من الخيام المنصوبة دون إصابات حسب مردم. لكن مردم قال انه تم التوصل إلى حل مع السلطة المحلية يقضي بإقامة مخيم في منطقة الحجز وان المؤسسة الاقتصادية وهي مؤسسة حكومية تتولى إنشاء المخيم الذي ستنقل إليه الخيام الملقية على الأرض في خيوان باستثناء بعض الخيام المنصوبة والخالية من السكان، على الرغم من ان بعض النازحين يسكنون بعض العشش بالقرب من المخيم وآخرون يقيمون في بيوت قديمة والبعض في المدارس وآخرون لدى أقارب لهم ويكثر عدد النازحين من حرف سفيان في مناطق العادي والرحضة والمسيل ولحضان. وأكد مردم ان مخيماً آخر سيقام في منطقة خمر لإيواء النازحين الذين أكد أنهم يعيشون وضعا مأساويا وبعضهم في العراء. وقال:"النزوح مستمر والناس في العراء لم يتلقوا مساعدات لان السلطات أوقفت تقديم المساعدات حتى يتم تسكين النازحين في المخيمات. ليس لدي أي شيء في المخازن لأقدمه لهؤلاء النازحين." لكن مصادر في لجنة الإغاثة أكدت ان الحكومة تريد التنسيق مع المنظمات المحلية والدولية وتنظم عملية إدارة المخيمات وتقديم المساعدات خاصة بعد ان عهدت وزارة الصحة هذه العملية الى جمعية الإصلاح الخيرية وهي جمعية محلية ، مما أثار استياء بعض الجمعيات المحلية الأخرى. وتقول منظمات الإغاثة ان هناك الآلاف من الأشخاص لازالوا عالقين في مناطق القتال في صعدة وحرف سفيان ولم تتمكن هذه المنظمات من الوصول إليهم بسبب شدة المعارك. وقالت المفوضية السامية للاجئين في آخر بيان لها أن السكان المحليين والنازحين محاصرون في أماكن القتال... وما زالوا يواجهون وضعا إنسانيا صعبا ، وغير قادرين على مغادرة المدينة المحاصرة في التماس الأمان والمأوى في أماكن أخرى." نازحون في العراء في خيوان