يخطئ الإنسان أحياناً في حق شخص ما على مرأى ومسمع الناس ويزداد في غيه حينما يحاول أن يجعل هذا الحق له لا عليه ولو بالمغالطات والافتراءات ويكون بارعاً في لعب دور البراءة في مثل هذا الموقف قد يقنع هذا الشخص نفسه بأنه ليس مخطئاً، ولكنه سيبقى دائماً تحت وقع عذاب الضمير عندما يعود إلى رشده ويعلم أنه أخطأ ومارس الظلم على غيره الذي قد يكون أكثر ما يكون إلى المساعدة والوقوف إلى جانبه، فما أعظم المعاناة حين يكتشف الإنسان أنه زاد مأساة إنسان تعقيداً وأضاف إلى همومه هماً جديداً وفي هذه الحال لا يمكن لهذا الإنسان المفتري بأية حال من الأحوال تناسي تلك الحقيقة... حقيقة أنه أخطأ ليس في حق إنسان آخر فقط وإنما كان خطؤه في حق نفسه أيضاً. وعذاب الضمير يختلف عما سواه من أنواع العذاب الأخرى، فهو عذاب معنوي لا تجد له أي أثر على الجسد، خلافاً لما عداه من العذابات الأخرى والتي تترك آثاراً علي الجسد، كالجروح والكسور والندبات وما إلى ذلك، ففي كل وخزة نداء بالعدول عن السير في طريق الظلم ورجعة بالنفس جادة الطريق بعد إتباع الأهواء النفس الأمارة بالسوء،وفي كل لحظة ندم منه صفاء للنفس مما يشوبها من تعنت وكبر وهذا العذاب نضمره أنفسنا وليس بمقدورنا أن نشتكي منه لأي كان لأننا بذلك سنكون قد أفصحنا عما اقترفناه في حق ذلك الشخص، وهذا ما نخشى وقوعه ولكنه سيلازمنا ليلاً ونهاراً ولا يستكين، فهو كالداء المزمن يبدأ معنا وينتهي بانتهاء ذلك الجور الذي قد مارسناه في حق هذا الشخص أو ذلك. ومحاسبة النفس عموماً تتطلب أن يقوم الفرد من تلقاء ذاته بمواجهة نفسه بنفسه أولاً بأول ومراجعة أعماله وسلوكه وتصرفاته ما ظهر منها وما بطن حتى يكون على بصيرة من أمره وأن يقوم نفسه إذا ما وجد انحرافاً وذلك قبل فوات الأوان وانقضاء الأجل، والعاقل من حاسب نفسه الآن قبل فوات الأوان، فكلما كثرت محاسبة الإنسان لنفسه قلت عيوبه وكثرت ميزاته، ونجحت خطته في نجاح نفسه وتتم محاسبة النفس بتحديد وقت المحاسبة وحصر الأعمال والتصرفات التي تمت خلال هذه الفترة التي يشعر المرء بأنه في حاجة إلى المراجعة والمحاسبة، فبذلك يدرك الإنسان هل هو من المتيقظين لأنفسهم أم أنه من الغافلين عنها فيتدارك ما فاته قبل فوات الأوان وانقطاع عمله عن هذه الدنيا...؟