العديد من المهتمين بالشأن السياسي العربي، سيتساءلون عن قيمة التصويت على إقرار تقرير القاضي «غولدستون» وما هي نتائجه إذا ما عرفنا أن أسلحة إسرائيل تعاقب أقرب الأصدقاء إليها لمجرد هفوة صغيرة حتى لو كان المتسبب بها يهودياً صهيونياً عندما هددت «غولدستون» وأنّبته وحاولت ملاحقته ببث الإشاعات، فلو ارتفع صوت في أمريكا، الحليف الأكبر، فإنها تفتح ملف إبادة الهنود الحمر واستعباد الزنوج حتى لو ساهم المهاجرون الأوائل لأمريكا بنفس الجرائم عندما حملوا جنسيتها.. ولو تجرأت بريطانيا المؤسّسة لدولتها على أن تقطع إحدى الخطوط الممنوعة، فإنها ستثير جرائمها زمن الاستعمار، بدءاً من الإبادات الجماعية، وحتى دخولها حربيْ العراق وإيران، وكذلك الأمر بفرنسا فقد تبعث صورة حكومة «فيشي» الفاشية التي لا تختلف عن النازية في صورها وتوجهها السياسي والعسكري، إضافة إلى سجلات تحتفظ بها لأي طارئ جديد يدين الحليف الآخر.. وحتى روسيا فإنها مثقلة بجرائم إبادة اليهود وتهجيرهم، وعملت أيام ستالين على محو شعوب وديانات وقوميات، وهي تستعمل هذه الأسلحة بكفاءة عالية، وتجبر مناصريها على أخذ نفس الهجوم والدور الفاعل، وذلك ما نشهده الآن في معركتها مع حربها في غزة فلديها آلة دعايتها الجهنمية التي لها قدرة التأثير، أكثر من كل وسائل أوروبا مجتمعة، ومن يرسمون ويضعون قرارات أمريكا.. حيثيات المندوب الأمريكي بالتصويت على القرار جاءت بأنه كيف تحاسَب إسرائيل على دفاعها عن نفسها وهي الدولة الديمقراطية أمام حماس المنظمة الإرهابية، وكأن الديمقراطيات بلا سجل أسود بدءاً من بريطانيا، ومروراً بدول أوروبا، وانتهاء بأمريكا، ثم إذا كانت الضغوط تتوالى بأن إقرار المصوتين منحاز ، وسيوقف مشروع السلام، فإن هذا المشروع في نزعه الأخير، أمام الحوائط واتساع الاستيطان والحصار لغزة، واحتلال الضفة، بمعنى أن السلام أصبح رغبة إسرائيلية تديره بغرائزها لا عقلها، وبالتالي فالموقف العربي والعالمي من جرائم غزة، حتى لو انتهى كغيره للمحفوظات في الأرشيف الدولي، فهو يكشف إسرائيل ويفضح أساليبها ومن يلتقون معها فكرياً وسلوكياً.. التقرير هو زلزال على إسرائيل، فهي مستفزة ومستنفرة، إذ كانت حروبها وجرائمها القديمة في وقت لم تكن تقنيات الاتصال بهذا الاتساع وسرعة التوصيل، تموت في محيطها، لكنها اليوم أمام مشهد يُعرض على كل العالم، وقد تتحول من الهجوم إلى الدفاع، وسيكون المخرج، لو عرض التقرير على مجلس الأمن، اتخاذ أمريكا حق «الفيتو» لكن أن يتحول إلى الأممالمتحدة ويصادَق عليه، فإن أي محكمة داخلية لأي دولة، قادرة على ملاحقة أي من الطرفين، إسرائيل أو حماس، والأخيرة ليس في سجلها ما يخيفها أمام ما جرى ووثق كسابقة تطارد فيها زعامات إسرائيل وجيشها وكل من شارك في اعتداء غزة.. الموقف لا يحتاج إلى خلافات فلسطينية داخلية حتى يمكن حشد القوى العربية والإسلامية والشعوب المنتصرة لحقوق الإنسان، والمهمة لا تقبل التبسيط أو النظر إليها بحماسة وانفعال، وإنما بالقدرة على جعلها مهمة تطالب بعدالة القوانين الدولية وتطبيقها، وهو ما قد يلغي أي حجة لإسرائيل.. المهم أن تصل الرسالة، وأن تعطي مدلولاً عالمياً يرى إسرائيل في صورتها الحقيقية، وهذا بذاته مكسب كبير، وحتى من سيقفون معها باستعمال وسائل الضغط والتهديد والحرب الخفية، قد يوضعون بنفس دائرة الاتهام، والإخلال بحقوق الإنسان، ولعلها الفرصة السانحة أن نوحد جهودنا لإظهار إسرائيل بوجهها الحقيقي، وأن نجعلها هماً ضاغطاً لا يخدم السلام ولا أمن المنطقة والعالم..