تقرير «غولدستون» أحدث هزة هائلة في إسرائيل، لأنه رأى الحقيقة مجردة ومن قِبل قاض يحمل الديانة اليهودية وسبق أن دان الفصل العنصري في بلده جنوب أفريقيا، وقام بالتحقيق في جرائم الصرب، وتقريره صدم إسرائيل باعتبار الاعتداء على غزة لم يكن دفاعاً عن النفس بل جرائم حرب حقيقية، وبصرف النظر عن الخلافات بين أصحاب القضية، فتح وحماس، وما جرى من تأجيل أضرّ بالقرار، إلا أنه لم ينفه أو يقلل من قيمته السياسية والمعنوية، وضغطه النفسي والإنساني على إسرائيل التي قد تضطر لأنْ تحبس من خططوا وشاركوا وقرروا تلك الحرب لتفادي الملاحقات القانونية عالمياً، وعدم خروجهم من حدود دولتهم.. الضربة الأخرى ما أشير إلى استقالة المبعوث الأمريكي جورج ميتشل لفشله في مواصلة مباحثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولأسباب ربما يضمّنها استقالته عندما اصطدم بالحوائط الإسرائيلية، والمجاملات غير اللائقة من قبل الحكومة الأمريكية التي تخلت عن الكثير من التزاماتها، وأهمها إيقاف الاستيطان.. الفشل سيطال سياسة الرئيس أوباما باعتبار ميتشل الذي نجح في حل القضية الإيرلندية مع بريطانيا، لا يقبل الرسوب في قضية الشرق الأوسط ليس فقط لاعتبارات شخصية، وإنما لاحترامه لنفسه ومهمته، ولعله ليس الوحيد من بين المبعوثين الدوليين الذين أدركوا صعوبة المهمة ، وعدم جدية الحكومات الأمريكية في أن تصل إلى منطق وقناعة الحلول الصحيحة.. إسرائيل قد تبارك إزاحة هذا الثقل عنها، لأن ميتشل رجل يزن الأمور بواقعية ويريد تحقيق نجاح غامر بقبوله، لكن الخاسر الأكبر سيكون الرئيس أوباما لأنه يدرك أن كل ما يدور في العالمين العربي والإسلامي، وأسباب النفور الذي وصل إلى العداء مع أمريكا، طرفه الأساسي هو إسرائيل، وفي هذا الموقف لم يطالب أحد أن يكون أوباما شهيد القدس، أو المؤذن والإمام في أحد الجوامع الإسلامية، وإنما أن يلتزم بأقواله ووعوده، لأن الباعث على الصدام مع سلطة بوش أنه لبس القلنسوة اليهودية، وأصبح مبشراً مسيحياً يلتقي مع إسرائيل، ويجعلها أهم من ممارسة دور الرئيس ومسؤوليات المهنة، ودورها المؤثر على العالم.. وإذا كان يصعب الفصل بين قرار الإدانة بجرائم الحرب، والفشل الذريع للمبعوث الأمريكي حين جاءا بتزامنين قريبين من بعضهما، فإن إسرائيل تبقى عقدة أمريكية أكثر منها حليفاً عسكرياً واستراتيجياً في المنطقة، والحال قد لا تدوم حتى بالممانعة الأمريكية في الوقوف أمامها بالحقائق، إذ الظروف ليست ثابتة، وكذلك السياسات ومواقع القوة في العالم، وإسرائيل في نظر كثير من مفكريها والقارئين لتاريخها، يشعرون بصدمة المستقبل أمام مضاعفات العداء وتجاوز أخلاقيات الدولة واستهتارها بالقوانين الأممية.. ميتشل ستضاعف استقالته مهمة الرئيس الأمريكي في المنطقة ، ومدى قدرته على تجاوز غيره في حل مُشكل معقد، وحتى في وجود مبررات قد تطرأ، فإن إحداث تغيير منطقي لن يحدث، لأن عقدة إسرائيل مع أمريكا متجذرة مع كل رئيس ومندوب..