كم هو قاسٍ على المرء أن تكون الخيارات المتاحة كلها مُرَّة، وأن يقع بين فكي أنياب السبع، ويتجاذبه حدا المقصلة، هذا هو حالنا مع تفشي مرض HINI الذي أثبتت كثير من الدراسات أنه مرض مصنع مخبرياً، نشأ وترعرع في أحضان حقول التجارب، حتى شب عن الطوق، وصار قادراً على اختراق الأجسام، فأُطلق من مصنعه للفتك بالبشر، وأضحى موكلاً بفضاء الله يذرعه. ما أبشع تلك النفوس التي تولت بعثه من مرقده بعد أن هدأ سعاره عقب عام 1976م لتطلقه على البشرية من أجل كسب حفنة من المال الذي يأتي عن طريق تسويق أدويته، وليت الأمر يقف عند هذا الحد، لقلنا: إن أطماع البشر لا يحدها شيء، فلو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثاً. لكن الكارثة تكمن في أن لقاح الأنفلونزا نفسه يضم أشتاتاً من الآثار الجانبية عند تعاطيه؛ فهو كما كشفت بعض الدراسات يؤثر على الخصوبة، ويهبط بمستوى الذكاء، ويصيب الأعصاب بالخلل، بل ربما أدى إلى الشلل، وإلى تعطل كثير من وظائف الكبد والكلية، فهو -على حد قول الشاعر- خبير في طعن الأباهر والكُلى. لقد وقع إنسان هذا الزمن بين فكي كماشة؛ فسيكون ضحية لهذا الفيروس المصنع إن لم يتحصن باللقاح، وإن هو تعاطاه فسيتعرض لآثاره التي هي أمشاج من العلل والأدواء، زد على ذلك أن الشركات المصنعة لهذا اللقاح تطالب من يشتري منها بأن يكتب تعهداً على نفسه ألا يراجعها في الآثار الجانبية التي تترتب على أخذه، وهو ما لم يحدث مع اللقاحات الأخرى، وكأنها تعلم سلفاً ما سيخلفه للجيل الذي سيُدخِل إلى جسمه هذه الجُرَع السامة من اللقاح. إن الاستغراب يلف كل غيور على هذا الوطن ومواطنيه من تصريحات المسؤولين في وزارة الصحة الذين سمعنا منهم كلاماً عاماً لا يجيب عن التساؤلات العلمية التي طرحت حول مشكلات هذا اللقاح وجدوى استعماله، وإنها لمغامرة بجيل كامل من أبناء هذا الوطن، وتقديمهم قرابين لحقول التجارب في الدول المصنعة لهذا الفيروس وللقاحه؛ فلا ينبغي أن تكون العجلة قائدنا في ذلك، لا سيما أن اللقاح جديد، ولم يأخذ حقه من الفحص ووقته من التجربة للتأكد من سلامته. لقد شعرت كثير من الدول المتقدمة بهذه المأساة، فمنعت أخذ هذا اللقاح داخل حدودها، وهي دول لا يستهان بقراراتها، وقدراتها على النظر في عواقب الأمور، وتلك الدول هي أمريكا وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. إنني أدعو في هذا المقال إلى ألا يتبع المواطن العربي المغلوب على أمره المثل الذي سكه أجداده والذي يقول: بيدي لا بيد عمرو؛ فيأخذ اللقاح، ويجر على نفسه أسقامه المختلفة، وأدواءه المتباينة؛ لأنه يريد الهرب من ذلك الفيروس المصنع. ما الحل إذن، إذا كان خيار أخذ اللقاح مستبعداً؟ إن الإجابة عن هذا السؤال ليست من السهولة بمكان؛ إذ لا بد أن يشترك فيها لفيف من المتخصصين، وجمع من التربويين، وفريق من المفكرين، وألا يترك الرأي فيها لفرد أو لمؤسسة بعينها؛ لأن مثل هذا القرار يتعلق بالمواطنين جميعاً؛ فلا ينبغي التسرع فيه، فربما عصفت العجلة بآمال الأمة وطموحاتها المستقبلية. وإن كان لي من إسهام في ذلك فإني أدعو إلى تكثيف الاحترازات الوقائية في المدارس، ولا سيما مع صغار السن، من خلال إلزامهم في الفترة الحالية بلبس الكمامات، وتركيب معقم في كل فصل، مع تدريب الطلاب على أوقات استعماله، وكيفية ذلك، بالإضافة إلى عدم حشر الطلاب في فصل تنعدم فيه التهوية، وضرورة مراقبة صحة التلاميذ من خلال إعطاء إجازة لكل من ظهرت عليه أعراض الرشح والانفلونزا، حتى لو كانت العادية وليست HINI. ويمكن زيادة تلك التدابير باستنفار المدارس والمستشفيات لعزل الحالات المصابة حتى لا تنتشر العدوى، التي ستظل على الرغم من مأساويتها خيراً من أن يبادر المرء بنفسه إلى حتفه فيأخذ اللقاح، نعوذ بالله من عمرو ومن يده. * جامعة الإمام محمد بن سعود