شعارنا المميز الذي أطلقه خادم الحرمين (العلم والإيمان) شعار فكري لم يسبقه إليه أحد بل هو شعار المرحلة الذهبية التي تعيشها المملكة العربية السعودية، بل انه الشعار الذي يجب أن نرفعه فوق جميع مؤسساتنا التعليمية والبحثية. هذا الشعار هو الذي سوف يدخلنا إلى العالم الأول لو استطعنا أن نترجم فلسفة هذا الشعار ونحوله إلى استراتيجية ثقافية، تنمو في عقولنا جميعا ونشاهد انعكاساتها في كل زاوية من هذا الوطن الغالي علينا جميعا. نحن من يجب أن يقود هذا الشعار إلى العالم لأننا نحن الأجدر بحمل هذا الشعار نظراً لمعطيات كثيرة منها كوننا مهبط الوحي ومنطلق الرسالة الإسلامية أضف إلى ذلك معطياتنا الاقتصادية فنحن نشكل زاوية مهمة في العالم الاقتصادي، كما أن دورنا السياسي في العالم يشكل مادة إعلامية يومية فنشاطات المملكة السياسية ودورها في العالم العربي والإسلامي تجعلها محط اهتمام كبير والكل يرغب في الحديث عنا أو معنا، بالإضافة إلى أن بنيتنا التحتية والتنموية والتطويرية قطعت شوطاً كبيراً وبوقت زمني مميز لصالح المواطن. هذه السمات ألا توحي لنا بأن هناك جانباً اجتماعياً وثقافياً وفكرياً ظل بعيداً عن المقدمة وعن بقية الميزات زمناً طويلاً وما هذا التوجه الإصلاحي الذي يدفعه خادم الحرمين للحث على العلم والتعليم وافتتاح الجامعات وتسيير البعثات وجلب الفكر لزراعته بيننا إلا دفع لهذا الجانب الاجتماعي المهم الذي يجب أن لا يتأخر بل يجب دفعه بأسرع ما يمكن إلى الأمام وهذا هو الدور الحقيقي المتوقع من المجتمع. العلم والمعرفة هما الطريق الوحيد لجعل الحراك الاجتماعي الايجابي حقيقة وليس أمنيات وهذا ما يجعلنا بحاجة إلى أن نساهم في جلب العلم إلينا وكذلك ذهابنا إليه في أي بقعة من العالم. ليس من المقبول أن نترك ثغرة واحدة في تركيبتنا التنموية والاجتماعية دون أن نغلقها في وجه أعدائنا الذين أدركوا أننا صامدون في سبيل عقيدتنا وخدمة ديننا وثابتون سياسياً في سبيل قضايانا العربية والإسلامية وأقوياء في منهجيتنا الاقتصادية فما كان لهم سوى ثغرة فكرية أسبابها متعددة وليست خافية علينا ساهمت في خلط الكثير من الأوراق. العالم من حولنا وخاصة الذين يحبون انتقادنا يدركون مدى استقلاليتنا وقدرتنا على الإبحار في كل الظروف الدولية والمحلية فلذلك تدور محاولاتهم حول قضايا من واجبنا أن نتنبه لها وندرك أبعادها. علاقة الفكر والعلم والثقافة في مجتمعاتنا وثقافتنا لازالت مضطربة في عقولنا إلى حد كبير ولم تسهم في تسويتها كثير من جهودنا التنموية والتطويرية في مجال الثقافة والعلم والتفكير. لقد عانينا من التشدد والتطرف بجميع أشكاله بما جعل ثقافتنا هشة في بنائها حيث اخترق التطرف العقول وصعد إلى درجة من الممارسات السلبية لم نكن نتوقعها بل إن التشدد في كثير من الأحيان أوردنا مواقف لا نحسد عليها. لقد استطاع التطرف والتشدد أن يبني له مساراً مخيفاً في مجتمعاتنا وأصبحت عقول كثيرة جاهزة لأن تتبنى آراء فكرية متشددة على اعتبار أنها الأكثر صحة بين الآراء، لقد خلقنا عنقا للزجاجة المجتمعية والثقافية والفكرية يصعب المرور من خلاله والخروج باسم موحد لثقافتنا إلى العالم. إن حراسة الثقافة والمجتمع تحت أي منظور تعطي دلالة على أنها في خطر أو هي خطرة على الآخرين، فإذا كنت تحرس الثقافة خوفا عليها من ثقافات أخرى وفق مبررات فكرية فمعنى ذلك أن العالم المحيط بك ليس سليما كما تراه. فلذلك تريد أن تعزل نفسك عنه ولكي تقنع تلك الثقافة بأنك تحرسها من العالم الآخر يصبح من متطلبات دورك الرقابي أن تسمح لها بممارسات وهجوم على الآخرين سواء عبر الأفكار أو عبر قنوات أخرى ومثال ذلك (الهجوم على الثقافات الغربية وغيرها من خلال قنوات اجتماعية ندركها جميعاً) هذا ما فعله التطرف والتشدد عندما صور الآخر بهذه الصور ونصَّب نفسه حارساً على المجتمعات والثقافات المسلمة. أما إذا كنت تحرسها لأنها هي خطر على الآخر وليس العكس فهذا أمر يمكن أن يتم حله بالإصلاح والتوعية والانفتاح والتعليم والمراهنة على الأجيال الجديدة وهذا هو الاحتمال الأبعد في مجتمعاتنا محلية أو عربية أو إسلامية كانت. الحقيقة أن ثقافتنا المجتمعية وفكرنا تعرّض لعملية تحريف في مفهومه حيث تتصور مجتمعاتنا الإسلامية أن الآخر خطر عليها فلذلك تصبح ردود أفعالها تجاه ما يحدث في العالم من تحولات وتطورات ردوداً انفعالية تؤمن بالمؤامرة وغيرها. علاج ثقافتنا ومجتمعاتنا يجب أن ينطلق من نقطة البداية حيث يجب تسريح كل شكل من أشكال حراسة الثقافة والمجتمع واستبدالها بمعايير وقيم عقدية وفكرية وثقافية واجتماعية وسياسية تبنى على شكل منظومة راسخة يحفظها كل فرد في المجتمع ويتناولها كل طفل في المجتمع كما يتناول وجبته الغذائية عبر التعليم ومؤسساته وعبر الإعلام ومؤسساته وعبر المنابر وخطبائها. إننا إذا لم ندرك ذلك فقد نرى ثقافة تطالبنا بأن نرمي علماءنا الكبار ومثقفينا والمخترعين المميزين في البحر لأنه ليس لهم مكان في ثقافتنا وهنا مكمن الخطر فنحن لا نشركهم في عضوية مؤسساتنا ذات الطابع الحاسم في قضايا مجتمعاتنا الفكرية. إننا بحاجة إلى صياغة مؤسسة تجمع كبار علمائنا حيث يكون من بينهم عالم اجتماع ومثقف واقتصادي ومفكر وطبيب يقومون (بالتوصية في القضايا الدينية - والفكرية والثقافية والمجتمعية - بتقرير أحكام عامة يسترشد بها ولي الأمر لقيادة المجتمع فكرياً). لقد أصبحت الحاجة ملحة لمعرفة ما لدى عالم الاجتماع والمفكر والمثقف من رؤى وتقارير ودراسات حول المجتمع ومستقبله الاجتماعي ومساهمته في البناء الوطني، فجهاز الرؤية الذي اعتدنا على استخدامه في المجتمع لتقييم انجاز محلي أو علمي عالمي لمجتمعنا أو لأحد أبنائنا أو بناتنا يجب أن يتغير: لأن ذلك الجهاز تم اختراعه ليري كل شئ بالعين المجردة بينما نحن بحاجة إلى جهاز يرى انجازاتنا بالعقل قبل كل شيء، علينا أن ندرك أن سماء المجتمع وفكره وثقافته لم تعد مناسبة لرؤيتها فقط بعيوننا فنحن بحاجة إلى معايير فكرية وعقول تستطيع السير في ضباب المجتمع الفكري وفي صفائه في آن واحد معتمدة على مقاييس فكرية جديدة تسهل عمليات اكتشاف الخلل ومواطن الضعف واستبدالها بالأفضل منها. الإسلام وعبر التاريخ اثبت انه قادر على أن يساهم في كل ما من شأنه التقدم والرفعة لأتباعه ولكن ظلت مشكلة الكثير من المسلمين أنهم لا يريدون أن يتطور العالم من حولهم لأنهم غير قادرين على تطوير أنفسهم بينما هم يملكون أدوات فكرية وثقافية مميزة. الإسلام قادر على حماية نفسه واستيعاب العلم والمخترعات والتحولات الاجتماعية ولكن بشرط تفعيل أدواته بالبحث والتفكير والتحليل وعدم الركون إلى طلب الماضي لتطبيقه على الحاضر دون إدراك لمعايير الجسد الإسلامي الذي لابد وأنها تغيرت بل وتتغير مع كل إشراقة شمس. نحن في زمن يمنحنا الفرصة الأكبر لتقديم الإسلام على طبق من السلام إلى كل ديانات العالم وهذا ما فعله خادم الحرمين حفظه الله لدفع هذا التوجه عبر الحوار سواء المحلي أو حوار الأديان العالمي. من هذا المنطلق تتشكل فرصتنا المحلية لنقود العالم إلى رؤية جديدة عن الإسلام والمسلمين بعدما لوثها الانحراف والتطرف بدلا من أن نفكر في أن نتخلص من مفكرينا ومثقفينا لمجرد أن منا من لا يعترف بعلمهم بحجج نعرفها. إن المجال في المجتمع وخاصة المجال الفكري والثقافي والمجتمعي يجب أن يتسع بعد اليوم إلى كل مساهمة فكرية متطورة من عالم دين أو عالم في الاجتماع أو مثقف أو مفكر أو طبيب أو مخترع سواء كان رجلا أو امرأة.