ليست هناك مكانة أعلى من مكانة الحرم المكي.. حيث ما يقال في خطبه لا يقتصر الاهتمام به على المصلي بداخله أو المتابع السعودي خارج مكة، فالعالم الإسلامي بكامله يتلقى عبر النقل الفضائي لصلاة كل يوم جمعة ما يطرحه الخطيب من معلومات وعظات، وهو امتياز لا يقف عند أهمية الحرم المكي، وإنما يضاف إلى ذلك جماعية الحضور الإسلامي، وهو ما لا يتوفر في أي ديانة أخرى.. فالإسلام ليس ديانة عزلة وليس كهنوتاً لا يجوز أن يتبادل المعلومات عنه إلا من هم أصحاب خصوصية به مثلما في الديانات الأخرى.. الإسلام هو ديانة مجتمع ومن يتشرف به إماماً أو مأموماً ليس له طقوس تفرض مظهراً خاصاً يميز هذا عن ذاك.. يجتمع مع أهمية المكان العالي أهمية في قداسته أهمية أخرى يمثلها فضيلة الشيخ عبدالرحمن السديس الذي يعي تماماً وهو يتحدث كخطيب إنما هو يتعامل مع الثقافة الفقهية الإسلامية في كل أنحاء العالم، حيث لا توجد خصوصيات فقهية تستدعي لغة تحريم أو إباحة لفئة تختلف بها عن الأخرى.. فعندما يجزل الثناء بجامعة الملك عبدالله ويفرد تفصيلاً ليس بالقليل لما هي عليه أهمية وجودها الثقافي والعلمي الذي هو بدوره مساندة بالغة الضرورة لبناء مستقبلنا كمواطنين مسلمين فإنما هو يعلن حقائق معرفة وبالتالي مسؤولية فقهية تخص مشروعية وجودها.. نحن ندين لفضيلة الشيخ عبدالرحمن السديس ما قدمه من وضوح صريح في معلوماته عن جامعة الملك عبدالله، وهو أمر لا نعتبره بالجديد لأنه ما كان يمكن أن تتخذ خطوات فتح هذا التوجه الأكاديمي العلمي الرصين إلا بعد دراسات متخصصة وواعية ومسؤولة.. نحن نعرف أنه لا تنقصنا موارد الثقافة ولا يستطيع أحد أن يشكك في جماعية إسلامنا، لكن نحن نعي أن قصورنا العلمي هو ما سيعيق تقدمنا الذي نطلب أن يكون مرموقاً في مجالات العلوم والاقتصاد.. في عضوية العالم المتقدم كثيراً في تخصصات العلوم المؤثرة جداً على كل مناحي الحياة بامتدادات الكرة الأرضية.. ثم هل نحن على خطأ عندما نراقب أوضاع مجتمعاتنا الإسلامية فنجد أننا نعزل بممارسة انعزال لا مبرر له وكأننا ندعم من يوجهون لنا تهم مسؤولية نشر الانعزال، فيما العواصم الإسلامية تتمنى أن تكون لديها مثل قدراتنا الاقتصادية كي تسارع في بناء وجودها العلمي..