من حقنا أن نفرح ونفتخر بالمنجز الحضاري الأخير المتمثل في افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ومما زاد من فخرنا وفرحتنا بشكل أكبر هو ما قاله إمام الحرم المكي الشيخ عبدالرحمن السديس في خطبة الجمعة الأخيرة، أولاً، لأن الشيخ السديس يصدح بالمباركة بافتتاح هذه الجامعة ويبارك لمن قام عليها من مكةالمكرمة، أطهر بقاع المسلمين، ليسمع العالم أجمع أن الإسلام الوسطي يتعايش ويشجع العلم، وهو ليس بذلك الدين الذي يدعو إلى الجهل والتخلف، فأول آية نزلت فيه تدعو إلى العلم والمعرفة (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، لقد اثنى الشيخ السديس على هذا الصرح الحضاري، وأكد انه في أيدٍ أمينة وهو مُحق في ذلك، فالقيادة في هذه البلاد، وكما صرح خادم الحرمين الشريفين بأن إنشاء مثل هذه الجامعة كانت حلماً راوده ل25 عاماً وأصبح الحلم حقيقة، وفي وقت يثبت أن الإسلام الحقيقي هو منبر ودافع للعلم والمعرفة، أما القتل والعمليات الانتحارية فإنها لا علاقة لها بالإسلام الصحيح. وإمام الحرم المكي الشيخ عبدالرحمن السديس مُحق عندما دعا أبناء الأمة أن يباركوا بإجماع وأن يلتفوا حول هذه الجهود المباركة التي يقودها ويعمل عليها خادم الحرمين الشريفين، فنحن أبناء هذه البلاد دائماً ندعو ونطالب بالاستثمار بالعنصر البشري للخروج من أزماتنا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، التي تدل معظم الدراسات والإحصاءات المحايدة أنها تعاني من التخلف، وعندما تقوم قيادتنا بتدشين مثل هذه الصروح الحضارية يخرج البعض منا ضد تلك المنجزات الحضارية لأسباب واهية، يختلط فيها التفسير المتزمت للدين مع بعض الرؤى الاجتماعية الضيقة، وللأسف نجد من يردد تلك المقولات ويبثها في وسائل الإعلام ويثير البلبلة في المجتمع، وهذا ما نهى عنه الشيخ عبدالرحمن السديس في خطبته الأخيرة من مكةالمكرمة، داعياً للبعد عن بث الشائعات المغرضة والإثارة المتعمدة حول هذا الصرح العلمي. إن دعوات الشيخ السديس تعطي نموذجاً ناصعاً حضارياً لرجل الدين الذي يدعو إلى الانفتاح على العلم والمعرفة وينبذ الجهل ويأخذ بالأسباب ومنها افتتاح وإعادة إحياء دار الحكمة، إن مثل هذه الدعوات المنطلقة من مكةالمكرمة، ومن شيخ وإمام بمكانة الشيخ السديس في داخل المملكة أو في العالم أجمع، لهي دليل على سعة أفقه وتفهمه لمشكلات الأمة المتمثلة في نقص صروح العلم من معاهد وجامعات تُعنى بالعلم الحديث وتسد حاجات مجتمعاتنا في جميع التخصصات، وعندما انبثق هذا الصرح العلمي على مسافة ليست ببعيدة عن أطهر بقعتين في العالم لم يتردد الشيخ السديس في مباركتها وشكر من قام بانجازها، ولم يلتفت إلى تفاصيل قد تخدع البعض وتشكك بهذا المنجز الحضاري. إن ما قاله الشيخ السديس لهو دليل على سعة أفقه وتفسيره ونظرته العصرية للإسلام ومعرفته لما يجب أن يكون عليه عَالِم الدين في الدولة الإسلامية، فهو مع الشعوب الإسلامية يعمل ويدفع لتقدمها، وليس كما أصحاب النظرات المتحجرة التي تكبل الأمة وتقف في طريق تقدمها ورفعتها عندما تأخذ خطوة حقيقية في سبيل توطين العلم والمعرفة في بلادنا، لقد قدم الشيخ السديس في خطبته الأخيرة دليلاً على رؤيته العميقة لأهمية العلم ولما يمثله لمجتمعاتنا الإسلامية والعربية، إضافة إلى تفسيره الواقعي والعقلاني للإسلام، وأن هذا الدين عصري ولا يمكن أن يدعو إلى الجهل والتخلف والانعزال. لقد صدر في الأسبوع الماضي تصنيف بريطاني لأفضل 200 جامعة في العالم واحتلت الجامعات الغربية، خصوصاً الأميركية والبريطانية، المراتب المتقدمة من ذلك التصنيف، ودخلت بعض الجامعات من الهند وتايوان وإسرائيل وبعض الدول الأخرى، وخلت القائمة من أي جامعة عربية، ما يجعلنا ندرك أن مشكلتنا هي التعليم المتقدم العصري، وكلنا أمل كما دعا الشيخ السديس بأن تكون جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية هي بداية حقيقية لنهضة بلادنا والعالم الإسلامي من دون انتقاص حق للمشاريع العلمية في الدول العربية والإسلامية الاخرى. [email protected]