** مرة واحدة في حياتي شعرت بخجل شديد.. لأن لي علاقة ب«مهنة الكتابة»، وذلك عندما أمسك أي بنسخة من مجموعة «الحفلة» وقال لي: هيا.. تعال اقرأ.. وسمعني إش كاتب..!! أربكني الخجل وأغضبني.. قلت بحنق: عندك العيال.. خلي أي واحد يقرأ عليك..!! ضحك وقال: طباخ السم لازم يذوقه.. أبغاك أنته اللي تقرأ عليا..!! قلت بخجل مشفقاً على نفسي: والله يابويا ما في شي يسر الخاطر..!! قال بإشفاق: يعني ما يبغاني أعرف إش كتبت..!! قلت مواسياً: والله بعدين لما أكتب أي شيء في الجريدة.. اقرأه عليك.. خلي العيال يقرو لك الكتاب!! احتفظ بنسخة من الكتاب، ورفض أن يقرأ له أي أحد أي شي منه.. لم يدهشني خجلي من أبي.. ولم أكن خجلاً مما كتبت.. كل ما في الأمر أنني تخيلت أن يقرأ ما في الكتاب كل الناس - حتى أمي قرأت عليها بعض القصص - إلا أنني لم أتخيل أن يعرف أبي أي شي عما أكتب من قصص.. وربما لو أنني قدرت أنه قد يسمع منها ولو «مقطع» واحد.. لكنت كتبتها وأنا في مزاج ذهني ونفسي آخر يناسب «مزاج» ذلك «المتلقي» فيه. ربما أكون - فيما بعد - قد كتبت قصة «النفري» كي تقرأ عليه. غير أن المشكلة لم تنته عند هذا الحد. حيث لا بد أن يأتي دور «عيال الحارة».. لكن دون خجل هذه المرة.. وكل ما عليك يا عم عبدالله.. هو مواجهة النقد والسخرية.. بصدر رحب.. ومزاج معتدل قدر الإمكان.. لأن الذي سوف يتصدى لك سوف يترك كل شي ويتوقف عند أشياء مثل: - أف والله صاير تتفلسف فلسفة ترقل.. الواحد يقرأ منسجم.. وبعدين يطلع له كلام من نوع: «جمرة القلب».. إيش تبغى تولع «ارجيلة». وقبل أن تحاول الإجابة أو الشرح.. أو التبرير يتبعه آخر بالقول: - جمرة القلب.. أشوا.. عنده «حبة القلب».. والله لما قريتها قلت.. يا ولد لا يكون باخشوين عنده مريض بالقلب يبغى يعطيه «حبة».. أثاري الأخ يتفلسف علينا. هذا قبل أن يتلقف «الملقوف» حصة من «حفلة» السخرية ويقول: - إلا يا عيال شفتو صورته اللي قدام «كومة الثلج» على جبال «الألب».. صحيح أنه ما نشرها.. بس مرة قريت الأخ لقيته كاتب «لسعته جمرة الثلج في حبة قلبه»! وهات يا ضحك ومسخرة وتعليقات من نوع: - والله لو أن السيد قرأ هلكلام ليندم على أنه باعك كتاب..!! والله الشرهة موعليك.. على اللي نشرلك..!! أو: - حضرمي مقرد.. جمعها كل في جملة وحدة.. الثلج والجمر والحبة والقلب.. ما بقي ولا شي.. الله يخزي اللي علمك الكتابة..!! هذا قبل أن يتدخل أحدهم ويقول: - يا عيال خففوا عليه شوية..!! وتحسب أنه أراد أن يقف إلى جانبك قبل أن تسمعه يكمل: - ترى عيال جبل الحبالي ما يطلع منهم إلا الكلام الفاضي اللي قريتوه وهيا يا عم دور على «برود أعصابك».. أو اعتدال «مزاجك» وأنت تسمع نفسك تقول بحنق: - يا أولاد ال... أنا جيت أشوف الوالدة.. قلت أجي أسلم عليكم وأتأكد من طخخكم البايخة.. لكن لا شوفتكم تسر ولا حتى كلامكم.. الله يلعني إذا شفتوني مرة ثانية..!! وتسمعهم يتضاحكون ويقولون بصوت واحد: - لا وانت الصادق.. قول الله يلعني إذا كتبت الكلام البايخ اللي كنت أكتبه.