في إحدى الليالي الماضية، وفي جلسة ودية، كنت أدردش مع أحد الزملاء عن آخر الأخبار والمستجدات وإذا بجواله يصدر رنة مميزة تنبئ باستقبال رسالة وإذا به يلتقط جواله وأخذت أصابعه تداعب أزرار الجهاز وعيناه مرتكزتان على شاشة الجوال في انهماك واضح وجلي أخذه عن حديثنا وأنساه وجودي معه. لم يسعني وقتها إلا الابتسام ومراقبته حتى انتهى والتفت إلى بنظرة معتذرة مدركا أنه انشغل بالجوال عن حديثنا وقال "معذرة، وصلني بريد إلكتروني وكان لا بد لي من أرد عليه". وعندها انقلب حديثنا عن التقنية وعن تأثيرها على حياتنا بتيسيرها وتسهيل الكثير من الأمور فيها، حتى إنه قال "يابو عبدالله دلعتنا التقنية"، بعد جملته هذه أخذتني الخواطر والأفكار وسبحت في بحر منها وأنا أتذكر الماضي القريب قبل ما بين عشر إلى عشرين سنة. ففي نهاية الثمانينات الميلادية وبداية التسعينات كان البريد الإلكتروني يمنعنا من التواصل إلا باللغة الإنجليزية، فكنت وأحد الأصدقاء (ع. ه. ق.) نحتال (مجازا) على برامج البريد وأنظمة الاتصالات التي تحارب اللغات غير اللاتينية بتغيير الأكواد واسترجاعها لتوصيل الرسائل العربية. كما تذكرت الأيام الخوالي قبل دخول الجوال وكيف كانت حياتنا ومواعيدنا وسفرنا، حيث نغدو مقطوعين عن الخدمة عندما نغادر بيوتنا ومكاتبنا، وتذكرت دخول الجوال وأجهزة الجوالات القديمة والتي أثقلت جيوبنا (مقارنة بالبيجر) مع أن شاشاتها لا تعرض سوى لونين فقط، وتذكرت البيجر الخفيف الظريف عابر السبيل الذي لم يتجاوز بقاؤه في السعودية عدة سنوات. بالفعل نحن نعيش حالة "دلع تقني" فحياتنا أصبحت أسهل بفضل الله وتوفيق فلإنسان لاختراع هذه التقنية. فالذي يريد السفر يمكنه الاطلاع على معلومات البلد الذي يسافر إليه عن طريق الإنترنت ومشاهدة الصور ومقاطع الفيديو عن الأماكن التي يرغب في زيارتها وكأنه قد زارها عشرات المرات. وكذلك حجوزات الفنادق والطيران والتي يمكنك عملها في منزلك وأنت مع زوجتك وأولادك. كذلك هي الخدمات الإلكترونية من مشاهدة المخالفات المرورية وتسديدها وتسديد تكاليف تجديد الرخص والجوازات وغيرها. كذلك هو الحال في التعليم والتقديم على الجامعات والوظائف فيها. والأمثلة كثيرة ولا مجال لذكرها وهناك موقع البوابة الوطنية للتعاملات الإلكترونية www.saudi.gov.sa لمن يرغب في الاستزادة ومشاهدة قائمة ببعض الخدمات المتوفرة. ولعلي، ومن واقع عملي في وزارة التعليم العالي ألقي الضوء على بعض الخدمات الإلكترونية التي تقدمها الوزارة للطلبة السعوديين سواء الذين يرغبون في الدراسة في الخارج. فقد أكملت الوزارة مؤخرا المرحلة الخامسة من نظام برنامج خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، حيث تمكن الطلبة من التقديم على البرنامج بشكل ميسر وبطريقة سلسة دون الحاجة للتزاحم على الأبواب وحمل الملفات "العلاقي" الشهيرة وتم استقبال مايزيد على 80 ألف طلب. كما أن الوزارة تقدم خدمة بوابة الطلبة السعوديين في الخارج والتي تمكنهم من التعامل مع المحلقيات الثقافية في الخارج بكل يسر وسهولة دون الحاجة لإرسال الفاكسات أو الاتصال والمتابعة بالهاتف بل تتم بشكل إلكتروني ومؤتمتة بشكل كامل. وكذلك هو الحال في نظام الشؤون الدراسية والذي يحتوي على معلومات مايزيد على 70 ألف دارس في الخارج. إن توفر التقنية وسهولة الوصول إليها يلقي على عاتق المسؤولين عبئا كبيرا لتذليل الصعاب أمام عموم الناس والمستفيدين من الخدمات، وتوفيرها بشكل إلكتروني يسهل التنفيذ والمتابعة والتدقيق. ولعل توجيه خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بتفعيل التوجه للتعاملات الإلكترونية وتفعيل معنى "الحكومة الإلكترونية" هو قرار استراتيجي حكيم، نأمل أن يتحول إلى أرض الواقع ليسهل على الناس ويسرع وتيرة العمل والخدمة ويحد من التجاوزات والمحسوبيات وتأخير الخدمات.