تناولت الأسبوع الماضي بعض ملامح النظام الاقتصادي العالمي الجديد التي بدأت في الوضوح من خلال البيان التفصيلي الذي صدر عن قمة مجموعة العشرين يوم 25 سبتمبر 2009م، واستكمل اليوم الحديث عن أهم تلك الملامح. وربما كان أكثر ملامح النظام الجديد لفتاً للأنظار الاتفاق على رقابة مشتركة للمجموعة أو تقييم متبادل mutual assessment ، بمساعدة من صندوق النقد الدولي، للسياسات الاقتصادية الوطنية للدول الأعضاء في المجموعة، بما في ذلك الدول الصناعية في أوروبا وأمريكا. ومع أنه لا يبدو أن ثمة حتى الآن آلية لمحاسبة الدول التي لا تلتزم بما تم الاتفاق عليه في بتسبرغ، إلا أن مجرد قبول الدول الكبرى – خاصة الولاياتالمتحدة – بأن تخضع سياساتها الوطنية للرقابة أو "التقييم المتبادل"، إنجاز غير مسبوق، إذ جرى العمل على أن مثل هذا الالتزام لا يسري إلا على الدول الصغيرة التي تسعى للحصول على مساعدات، أو التي تدين بديون كبيرة . أما الدول الكبرى فلم تكن لتسمح لمثل هذه المراجعات، ولذلك فإن كون هذا المقترح على وجه الخصوص جاء مدعوماً من قبل الولاياتالمتحدة يدل على قبولها بأن "قواعد اللعبة" قد تغيرت، وأن الإطار الذي تم الاتفاق عليه سيكون له مصداقية. أما العنصر الآخر - القديم الجديد - وهو تجديد العزم على إعطاء الدول حديثة النمو دوراً أكبر في المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بما يتوافق مع الدور الذي أصبحت تلك الدول تلعبه في الاقتصاد الدولي، فهو من التعهدات التي يكثر تكرارها ولكنها حتى الآن لم تُترجم بشكل ملموس على أرض الواقع، ولعل الأمر يتغير بعد قمة العشرين. وقد عبرت إحدى النقاط الرئيسة في بيان القمة عن التفاؤل بأن الاقتصاد العالمي قد بدأ في استرجاع عافيته وتجاوز نقطة الكارثة، وربما كان ذلك التفاؤل سابقاً لأوانه بعض الشيء، إذ إن أرقام الاقتصاد الأمريكي التي ظهرت بعد قمة العشرين بأيام خيبت آمال المحللين وأظهرت أنه مازال في انكماش، حيث ارتفع معدل البطالة إلى 9.8% وهو أعلى مستوى منذ عام 1983. ووضع البطالة في أوروبا، في مجمله، شبيه بالوضع الأمريكي. ومع ذلك، فنظراً إلى أن وتيرة الانكماش الاقتصادي قد أصبحت أكثر بطئاً، مقارنة بالوضع في بداية السنة، فلا بأس بشيء من التفاؤل، على طريقة "تفاءلوا بالخير تجدوه"، نظراً إلى أن التوقعات والعوامل النفسية، سواء كانت عقلانية أو سواها، ذات تأثير فعلي في ثقة المستهلك تدفعه على الإنفاق، وفي ثقة المستثمر فتدفعه على التوسع في نشاطه. وخلاصة القول إن بيان بتسبرغ يدل على أن مجموعة العشرين، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، قد بدأت بالفعل في قيادة الاقتصاد العالمي، بدلاً من مجموعة السبع G7 الكبار، إلا أن تأكيد ذلك لن يتم إلا من خلال التطبيق الفعلي، وعلى وجه الخصوص من خلال القواعد التنفيذية التي تم الاتفاق على وضعها خلال الأشهر القادمة.