كل الاحتمالات مفتوحة على ساحة ما يجري من مناورات بين الطرف الإيراني والقوى الكبرى، فمن منظور يرى أن إيران نجحت في المراوغة، والتهديد والترغيب، وأن أمريكا التي تقود تيار الحوار، والإبقاء على الخيارات الأخرى، هي في موقف الضعف مالياً بسبب الأزمة العالمية الراهنة، وعسكرياً من خلال المغامرة الفاشلة في العراق وأفغانستان ، في حين تتبنى أوروبا موقفاً أكثر تشدداً بإحداث تغيير جوهري يضع إيران في حيزها الطبيعي، وعدم التساهل مع مشروعها.. رهان إيران مختلف فهي تعتقد أنها قوة عظمى يجب أن تُعامَل بنفس الدرجة مع تلك القوى، وأن حقها في امتلاك تقنية نووية تؤكده القوانين الدولية، ثم إنها تستند في مناورتها على تأييد الصين وروسيا بعدم اتخاذ أي إجراءات تضرّ بها، وحتى أمريكا بتورطها في أفغانستان تبني انتصارها، وتأمين غطاء أمني في البلد الذي تقسمه الولاءات القبلية والدينية على مساعدة إيران لها.. وكما أن المصالح والأهداف العليا، وتوازن السياسات تفرض أسلوبها في التعاطي مع القضايا الدولية، فإن التقارب الروسي - الأمريكي بحل مشكلة انتشار الصواريخ جاء كمقايضة لتغيير الاتجاه الروسي للتضامن مع أمريكا والغرب في قضيتيْ إيران وكوريا الشمالية، وكذلك الصين التي تفهم أن خطها الواضح، إلى حد ما، يجبرها على الانحياز للمعسكر العالمي، ليس فقط للتنازل عن حاجتها لسوق إيران ونفطها، وإنما لمبررات تهدف إلى عدم الدخول في نزاع مع تلك القوى، ويقابل ذلك كله أنه في حال فشلت المباحثات بين الأطراف في حل الإشكال النووي، فقد تتحول المقاطعة والحصار الاقتصادي إلى ضغط مضاعف مما يزيد من مشاكل الصرف على التسلح وخاصة المفاعلات النووية ذات الكلفة الهائلة، وهذا بدوره سيزيد من معاناة الشعب الإيراني، وقد يعزز هذا التصرف من عزل السلطة الراهنة عن قوى الشعب المعارضة في الداخل، والتي تعارض توجّه الحكومة ونزعتها المتطرفة، واعتمادها على وهم القوة في مقارعة من هو أقوى منها.. معايير النجاح تفترض استقراراً داخلياً في أي بلد يتطلع إلى استغلال موارده، وفي حالة إيران، فهي دولة نفطية كبيرة، لكنها فقيرة في إنتاج حاجتها من مشتقاته لضعف الاستثمار الدولي، وحاجتها لإحلال مصانع حديثة لاستخراج وصناعة النفط بتقنيات متقدمة، وعملية أن يتعرض هذا المورد، فإن الرؤية المقابلة تجد فيها عقاباً قد يوقف تطلعات إيران للاستمرار في مشروعها النووي على حساب تجويع شعبها، والصرف على الأطراف المؤيدة لها في الخارج.. والفائدة الثانية، من المنظور الأوروبي - الأمريكي، أن نجاح المقاطعة، حتى لو جاءت بعض نتائجها سلبية، فقد يعزز موقف المعارضة في الداخل، ويخفف الضغط على الوضع في العراق، ويزيد في تعارض السياسات حتى داخل الحكومة الإيرانية، ومن هذه الأسباب مجتمعة، تذهب المناورة إلى مداها البعيد، وفي النهاية من سيكسر يد الآخر؟!