بعد دخول رمضان فى نصفه الثانى ، واقتراب العيد ، بدت أسواق الموسكى والعتبة فى قلب القاهرة ، وكأنها نهر من البشر .. فلا تكاد تخلو ساعة من ليل أو نهار ، من طوفان الناس ، حتى إنك تكاد لا تبصر تحت قدميك من شدة الزحام ، فالناس تفد إليها من كل مكان ، فلا يمكن أن تحتاج لشيء ولا تجده فى هذه الأسواق .. ومع أن غالبية زبائنها من الفقراء ، لأسعارها الرخيصة جدا ، فإن الأغنياء أيضا يرتادونها ، فالأسعار التنافسية تكاد تصل إلى نصف شبيهاتها ، في المحال المشهورة فى الشوارع الراقية.. هناك : لاتعرف موعدا محددا لوقت الذروة .. والزبائن يختلطون بالباعة الجائلين وبعضهم شباب - يعملون في فترة الصيف لتوفير المصاريف الدراسية . تشتهر تلك الأسواق العريقة أيضا بأن جانبا كبيرا من مرتاديها ، من النساء والفتيات المقبلات على الزواج ، فلا يمكن لعروس مصرية ألا تبتاع احتياجاتها من الموسكى ، فهناك ستجد كل شيء يخصها .. وبأسعار رخيصة . سوق " الموسكي " الشهير اسمه تحريف لاسم مؤسسه عز الدين موسك ، أحد أمراء السلطان صلاح الدين الأيوبى ، ويمتد من حى " العتبة الخضراء " حتى الجامع الأزهر .. كان هذا الميدان يتميز بالخضرة ، وبجواره بركة وحديقة الأزبكية ، وبعدما اختفت الأشجار بقى اسم العتبة مجردا ربما بسبب اختفاء الخضرة . ظلت " العتبة الخضراء " هى القلب التجارى للعاصمة المصرية ، وكان مقهى " متاتيا " فى الميدان فى القرن الثامن عشر ، ملتقى صفوة شباب مصر ، حول الداعية الشهير جمال الدين الافغانى . كما شهد أول سوق مركزى فى مصر للخضر واللحوم والفواكه والأسماك ، على غرار الأسواق التى رآها الخديوى إسماعيل عندما كان يدرس فى باريس . هذه هى قصة سوق الموسكى زمان .. أما اليوم فله حكاية أخرى . أسواق متخصصة " الموسكى " ليس سوقا واحدا ، فهو فى الحقيقة مجموعة من الأسواق المتخصصة ، تحتل كل منها شارعا أو أكثر .. أشهرها أسواق خان الخليلى للتحف والأنتيكات ، ودرب البرابرة للنجف ، وحمام الثلاثاء لاحتياجات العرائس من الستائر والأطقم الصينى والأدوات الكهربائية .. بجانب محلات الحدادة والعطارة المتخصصة فى فن العطارة والطب البديل .. وحتى الكتب القديمة لها مكانها هناك ، على سور الأزبكية الأشهر لتجارة الكتب والمجلات المستعملة ، وشارع عبدالعزيز المركز الرئيسي والمورد الأساسي لتجارة الأجهزة الكهربائية والهواتف المحمولة بمصر ، بالاضافة إلى مركز إصلاح الساعات وسوق لكافة أنواع الورق . .. ومع اقتراب العيد يتكالب الأهالى على السوق ، لشراء الملابس لأولادهم وبعض لوازم المنزل من ستائر ومفارش لتزيين المنزل ، ولأن العيد موسم لإقامة حفلات الزفاف ، فإن السوق يزدحم فى رمضان بالعرائس ، الراغبات فى تجهيز عش الزوجية . وعن أسباب رخص الأسعار فى السوق يقول عبد الرزاق السوهاجى صاحب أحد محلات المنسوجات : الأصل هنا تجارة الجملة ، لأننا نجلب بضاعتنا من المصانع مباشرة ، والبعض يمتلك المصانع الخاصة به ، بجانب أن المحلات بسيطة فى تكوينها ، بعكس المحلات المكيفة الفخمة ، فى الأحياء الراقية ، التى تضيف هذه التكاليف على أسعار السلع . ويقول أحمد صلاح بائع متجول زبائن السوق ليسوا جميعهم من الفقراء فقط ، فهناك " الموظفون " الذين يبحثون عن الملابس ولعب الأطفال الرخيصة ، التى تناسب محدودي الدخل. ويقول جمال بدويوى صاحب محل أحذية : نعانى من الركود الشديد خلال العشرة أيام الأولى من شهر رمضان ، فالنشاط التجارى يقتصر على الأغذية والمشروبات والحلويات فقط ، لكن مع بداية النصف الثاني من الشهر الكريم ، بدأت محلات الملابس والأحذية والاكسسوارات تشهد رواجا كبيرا .. وكلها نفحات من عيد الفطر .