أشاد مسؤولون وباحثون وإعلاميون بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، التي ستفتتح قريباً، واصفين إياها بأنها ستمثل نقلة نوعية في مستوى التعليم في المملكة العربية السعودية، وأنها ستكون مختلفة تماماً عن الكثير من النماذج الجامعية الدارجة لا في المملكة فحسب، بل وفي العالم العربي والإسلامي. وقالت رئيسة جامعة برنستون، التي أُعلن تعيينها عضواً في مجلس أمناء الجامعة، البروفيسورة شريلي تيغمان «إن جامعة الملك عبدالله ستكون على مستوى عالمي وستكون قادرة عند اكتمالها من منافسة الجامعات العالمية الراقية». رفع مستوى التعليم وقالت مجلة بلومبيرغ الأمريكية في عددها الصادر هذا الشهر وأفردت فيه موضوعاً رئيسياً للحديث عن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في بلدة ثول القريبة من مدينة جدة على ساحل البحر الأحمر «إن من المؤمل للجامعة الجديدة أن لا تساعد على التأثير إيجابياً فحسب، بل وأن تساعد في رفع المستوى التعليمي الكلي لدول المنطقة»، وأضافت المجلة أنه في حين أن دولاً عربية أخرى لجأت إلى إقامة فروع لجامعات أجنبية في أراضيها لترقية التعليم فيها، فإن المملكة عملت على إقامة جامعة سعودية مئة بالمئة تستعين بالخبرات الأجنبية من أجل تحقيق الغرض نفسه. وقالت المجلة في موضوعها الذي أفردته للحديث عن الجامعة الجديدة إن المملكة تنفق قدراً كبيراً من مبلغ المليار دولار الذي تحصل عليه يومياً من عائداتها النفطية على إعادة تحديث التعليم الجامعي العالي فيها. وأضافت المجلة، في مقالتها التي أفردتها للحديث عن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية المقرر افتتاحها رسمياً يوم غد الأربعاء تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وبحضور ثلة من الزعماء السياسيين والأكاديميين العرب والعالميين «إن المملكة تقوم ببناء جامعة للعلوم والتقنية على مستوى عالمي». وأوضحت المجلة أن هذه الجامعة يتم بناؤها من هبة جامعية رصدت لها بقيمة 10 مليارات دولار، وهي جامعة ستقام بناء على شراكات مع أفضل وأرقى مراكز الأكاديميا والبحث العلمي في العالم مثل جامعتي كامبريدج وأوكسفورد البريطانية وستانفورد الأمريكية، فضلاً عن شراكات مع العديد من الشركات التقنية العالمية المتقدمة مثل جنرال إلكتريك الأمريكية. وقالت المجلة إن الجامعة الجديدة ستكون مستقلة، وهو ما سيوسع الخيارات أمام الشباب السعودي حيث يمثل الشباب الذين تقل أعمارهم عن 14 سنة 38 بالمئة فيما يمثل الشبان من سن 20 - 24 عاماً مانسبته 44 بالمئة من عدد سكان المملكة الذي يزيد على 26 مليون مواطن. وأضافت أن هذه الجامعة يمكن أن تساعد الكثير من الشباب السعودي على اكتساب المهارات العلمية المتقدمة التي تساعدهم في الحصول على الوظائف العالية المداخيل في الاقتصاد السعودي المتزايد تقدماً وتعقيداً. يذكر أن وزير البترول المهندس علي النعيمي هو الذي يشرف على إقامة هذه الجامعة فيما يقوم رئيس هيئة الاستثمار العامة السعودية الأستاذ عمرو الدباغ بترويج الاستثمار الخاص في النظام التعليمي السعودي. ونقلت مجلة بلومبيرغ عن الأستاذ الدباغ قوله: «إن تصور الملك عبدالله هو تكريس جزء من طفرة عائدات النفط لبناء رأس المال البشري السعودي لكي تصبح هذه القوة البشرية مصدراً حقيقياً للمعرفة بدلاً من أن تكون مستهلكة فقط». وأضاف الأستاذ الدباغ أن وزارة التربية والتعليم السعودية تقوم بعملية «إصلاح للنظام التعليمي، ولكن ذلك لا يكفي. علينا إعداد قوة عمل ماهرة تنافسية عالمية مؤهلة للعمل في سوقنا الاقتصادية». وذكرت المجلة أن دولاً عربية خليجية بدأت هي الأخرى بالعمل على تحسين تعليمها وتنويع اقتصادها، مضيفة أن جامعة نيويورك تعتزم إقامة حرم جامعي لها في مدينة أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، فيما ستقوم جامعة كورنيل الأمريكية بإقامة كلية للطب تابعة لها في العاصمة القطرية الدوحة. ولكن المجلة أضافت أن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لن تكون جامعة أجنبية كنظيراتها في بعض دول الخليج، بل هي ستكون جامعة سعودية مائة بالمائة تعمل بالتعاون مع برامج جامعية وشركات أجنبية. وحسب المجلة الأمريكية، فقد تعاقدت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية مع كل من جامعتي كامبريدج البريطانية وستانفورد الأمريكية ب10 ملايين دولار لكل منهما للمساعدة في وضع برامج الجامعة التعليمية، كما تعاقدت مع الجامعتين بمبلغ 15 مليون دولار لإجراء الأبحاث المشتركة مع معاهد الأبحاث في الجامعتين. كما تعاقدت الجامعة مع جامعة أوكسفورد البريطانية بمبلغ 25 مليون دولار لاستقبال الباحثين من الجامعة السعودية في مراكز أبحاثها ومختبراتها العلمية إلى أن تطوِّر الجامعة مرافقها الخاصة بها. كما ستعمل جامعة ستنافورد على تقديم المشورة للجامعة السعودية في ميدان وضع المناهج التعليمية في الرياضات المتقدمة وأجهزة الحاسوب وبرامجه. ونقلت المجلة الأمريكية عن بيتر غلين، مدير معهد جامعة ستانفورد للهندسة الحاسوبية والرياضية القول إن «الأمل هو أن تعمل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية على رفع مستوى التعليم في المنطقة ككل، وإحداث تأثير إيجابي على المجتمع نفسه أىضاً، وإضافة إلى ما تعاقدت عليه الجامعة من عقود مع مؤسسات علمية رائدة في عدة دول، فإنها تعاقدت أيضاً مع العديد من الشركات الدولية الرائدة في ميادين علمية وصناعية مختلفة للمساعدة في بناء بعض منشآتها وتشغيلها وصيانتها، خصوصاً في المراحل الأولى من عملها، فقد تعاقدت الجامعة مع شركة «جنرال إلكتريك» الأمريكية العملاقة التي تعتبر أكبر شركة مصنعة لطوربينات مولدات الطاقة الكهربائية ومحركات الطائرات ومعدات التصوير الطبية، وذلك من أجل قيام الشركة بتصميم وبناء والمساعدة في تشغيل مراكز الأبحاث الخاصة بالجامعة. كما ستقوم الشركة أيضاً بتبادل الباحثين والخبراء لديها مع الجامعة. أمل الباحثين ونقلت صحيفة إنترناشيونال هيرالد تريبيون عن المهندس عبدالله جمعة، الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية، في مقابلة خاصة معه بشأن أهمية جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، أن «هناك فجوة معرفية هائلة بين دول العالم العربي والإسلامي وبين العمليات والتقدم الذي تشهده الحضارة العالمية المعاصرة. ونحن لم نعد نواكب التقدم الذي يحدث في عصرنا الحاضر، ومن هنا تأتي أهمية هذه الجامعة العلمية المتقدمة». ونقلت الصحيفة عن البروفيسور أحمد غنيم، المصري الأصل، والأستاذ بمعهد مساتشوستس للتكنولوجيا في ولاية مساتشوستس الأمريكية، وهو الذي يعتبر من أرقى المعاهد العلمية في العالم، أن إحدى أكبر المشكلات التي ستواجه الجامعة السعودية الحديثة ستتمثل في «اجتذاب الأساتذة الأجانب إليها». وقال الدكتور غنيم، الذي تعاقدت معه الجامعة الجديدة لنصحها بشأن استقطاب الخبرات العلمية الجديدة، إن على الجامعة أن «تحاول اجتذاب الخبرات العلمية العالمية عن طريق إقامة المنشآت المخبرية المتقدمة وتوفير الأموال المخصصة للأبحاث العلمية التي لا يستطيعون أن يحصلوا عليها في أوطانهم». وقال إن على جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية أن «توفر البيئة التي يستطيع فيها الباحثون أن يرتبطوا بالعالم الخارجي. العلماء لا يستطيعون العمل في عزلة». وقالت الصحيفة إن الجامعة الجديدة قد أعطت «الكثير من الأمل للباحثين السعوديين الذين كانوا إلى أن بدأ الملك عبدالله بالدفع باتجاه إصلاح التعليم في المملكة، يشكون من شح الموارد المخصصة للأبحاث في المملكة، فضلاً عن القيود البيروقراطية على الحصول على المنح العلمية». وقالت الصحيفة إنه عند الانتهاء من بناء الجامعة فإنها ستضم 20.000 شخص من أساتذة وموظفين وطلبة وأسرهم. وأضافت الصحيفة أن نموذج الجامعة سيكون فريداً من نوعه، إذ أن الجامعة ستقوم على «الشراكات التي تقيمها مع جامعات ومراكز أبحاث وشركات دولية، كما أن المدرسين فيها يتوقع منهم أن تكون لهم قواعد ثابتة في مراكز بحث أو تدريس بجامعات ومعاهد أخرى عدا جامعة الملك عبدالله». تعليم النساء وقد أعلنت جامعة برنستون العريقة التي تتخذ من ولاية نيو جيرسي القريبة من نيويورك مقراً لها أن رئيسة الجامعة البروفيسورة شيرلي تيغمان، قد وافقت على الانضمام إلى عضوية مجلس أمناء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. وقالت تيغمان في بيان رافق الإعلان «إن ليس هناك ما تمكن مقارنته في الشرق الأوسط الآن بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية»، مضيفة أن هذه الجامعة «ستزيد من الفرص المتوفرة لتعليم النساء وتقدمهن». وقالت تيغمان، إن «من بين الأسباب التي جعلتني أوافق على الانضمام لعضوية الجامعة السعودية هو أن المسؤولين السعوديين التزموا بصورة قوية بتعليم النساء أيضاً، وليس الرجال فقط في هذه الجامعة. وأضافت «أن هذه بداية مشجعة». وأوضحت الأستاذة الجامعية الأمريكية المعروفة: «عليك أن تبدأ من مكان ما وهذا شيء مهم بالنسبة إلينا في الغرب ممن نؤمن بأهمية تعليم النساء ومنحن حقوقهن»، مشيرة إلى أن الجامعة السعودية الجديدة «لن تميز بين النساء والرجال وسيكون عدد الطالبات فيها مساوياً لعدد الطلاب إن لم يزد». وقال الدبلوماسي الأمريكي السابق دانيال كيرتزر، الذي يدرّس في كلية ويلسون للعلوم السياسية بجامعة برنستون، إن «أحد المميزات الرئيسية للجامعة السعودية الجديدة هو التزامها بتغيير الواقع الراهن، كما أن الجامعة ستدار على نفس الأسس التي تعمل بها الجامعات الأمريكية وغيرها من المؤسسات الأكاديمية العالمية ذات السمعة الطيبة». وأضاف: إن هذه الجامعة «ستكون مختلفة عن كل شيء آخر يتم في المملكة حالياً - ستكون مكاناً لا توجد فيه حواجز أمام تعليم المرأة وتقدمها ومشاركتها في العملية الأكاديمية والبحثية». وقالت باربرا بودين، وهي سفيرة أمريكية سابقة في اليمن وتعمل أستاذة هي الأخرى بكلية ويلسون للعلوم السياسية بجامعة برنستون، إنها سُرت لانضمام رئيسة جامعة برنستون إلى عضوية مجلس أمناء جامعة الملك عبدالله. وقالت إن «ذلك بحد ذاته يمثل إشارة مهمة يحاول المسؤولون السعوديون توجيهها عن نوع الدور الذي يمكن للمرأة أن تلعبه في الحيز العام». وقالت صحيفة جامعة برنستون إنه إضافة إلى المساعدة في دعم مركز المرأة في الجامعة السعودية الجديدة، فإن تيغمان ستساعد في توجيه الجامعة لتصبح جامعة أبحاث من الطراز الأول. ونقلت الصحيفة عن تيغمان قولها: «إن هناك التزاماً قوياً في المملكة العربية السعودية بأن تكون لديها جامعة أبحاث قوية. وإن جامعة الملك عبدالله ستكون جامعة تنافسية تتنافس مع كل الجامعات العالمية وسيكون لديها برنامجان قويان في الهندسة والعلوم». وقالت إن «الافتراض هو أنه إذا ذهب المرء إلى جامعة الملك عبدالله بعد 15 سنة، مثلاً، بعد أن تكون الجامعة قد أسست نفسها وتجاوزت مراحل التأسيس والبناء الأولى، فإنه سيجد أنها تعمل على إعداد الطلبة للحصول على حياة مهنية في العلوم والتقنية بصورة لا يمكن تمييزها عما تقوم به جامعات عريقة في دول أخرى». يذكر أن برامج الدراسات العليا في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية تشمل تخصصات متعددة لتقديم برنامج دراسات عليا مع تركيز واضح على تطبيق العلم والتكنولوجيا على المشكلات المتعلقة بالاحتياجات البشرية، والتقدم الاجتماعي، والتنمية الاقتصادية. وتجمع عروض المقررات التي تقدمها الجامعة عادة دورات أساسية، ومتقدمة، ودورات مكثفة في المجال الذي اختاره الطالب. وتوفر المقررات الاختيارية الإضافية المرونة اللازمة للطلاب لمتابعة دراسة البرنامج بمزيد من التوسع والعمق. وستكون برامج الدرجات العلمية والمقررات الدراسية التي تقدمها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية قادرة على المنافسة عالمياً، لضمان قبول برامجها واعتمادها على قدم المساواة مع برامج الدرجات العلمية في الجامعات الأخرى في جميع أنحاء العالم.. وتقدم جامعة الملك عبدالله مقررات دراسية للماجستير والدكتوراه في 11 من مجالات الدراسة في الجامعة ومن بينها الرياضيات التطبيقية والحاسوب والعلوم البيولوجية والهندسة الكيماوية وعلوم وهندسة الأرض والهندسة الكهربائية والعلوم والهندسة البحرية والهندسة الميكانيكية وغيرها.