تدخل السوق العقارية السعودية مرحلة جديدة بعد شهر رمضان المبارك، ويتوقع أن تشهد الفترة المقبلة من هذا العام طفرة عقارية حقيقية، مبنية على أسس متينة وأكثر نضوجا وفهماً لحاجة المستهلك النهائي من تلك الفترة التي كانت عليها السوق العقارية عام 2005، وهي الفترة التي شهدت حراكاً عقارياً لافتاً. وتتمتع المملكة بميزة مطلقة لا ينافسها أحد فيها بوجود الحرمين على أراضيها، بما يجعل العقارات في تلكما المدينتين تقع في صدارة الطلب من قبل عشرات الملايين من المسلمين الساعين لحج بيت الله وزيارة مدينة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، في فترة الحج وفي شهر رمضان على وجه الخصوص. ويستحوذ التطوير العقاري في مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة على ما يزيد عن 40 بالمائة من استثمارات التطوير العقاري في المملكة. ويُقدر الاستثمار في العقارات حاليا بنحو 1.5 إلى 1.8 تريليون ريال. إذ إن السوق السعودية تعتبر الأكبر في المنطقة وحجم تداولاتها عالية، كونها سوقاً تتمتع بفرص وقنوات استثمار متعددة في مختلف المنتجات العقارية على كافة الأصعدة. وتشهد مدينة مكةالمكرمة ومحيطها في الوقت الحالي نمواً عقارياً كبيراً عبر مشاريع مختلفة تشيد حول المسجد الحرام وفي المنطقة المركزية، وحسب التقديرات الأخيرة، فإن حجم الاستثمار في مكةالمكرمة ارتفع إلى 750 مليار ريال، وهو رقم مرشح للارتفاع بازدياد حجم الأعمال والاستثمارات والتي يعلن عنها بين الحين والآخر، والتي تطرح بشكل دوري ولا تتأثر بمواسم العقار. كما تشهد مكة إقبالاً كبيراً من المسلمين غير السعوديين عامة، ومن الدول الغربية بشكل خاص على شراء العقارات، بعد أن سمحت المملكة لأول مرة للأجانب بتملك الشقق لمدة 25 عاماً قابلة للتجديد. وكان قد تم طرح عدد من المشاريع العقارية في مكةالمكرمة منها جبل خندمة الواقع على الناحية الشرقية من الحرم المكي الشريف، ومشروع جبل عمر، بالإضافة إلى مشروع الشامية الذي يعتبر أكبر المشاريع العقارية والإنشائية، والذي يقع شمال الحرم المكي الشريف. وبين عقاريون أن العائد الاستثماري طويل الأمد للعقارات في مكةالمكرمة والمقدرة بنحو 8 إلى 10 بالمائة، يقي المستثمرين من تقلبات الاستثمار والعوائد المتقلبة للعقارات في مناطق أخرى حول العالم، مشيرين إلى أن سعر الأراضي في محيط الحرم المكي وصعوبة التشييد لعوامل جيولوجية، يرفع من الكلفة الاستثمارية للعقارات في تلك المنطقة. وأكدت أوساط عقارية، بأن مجال الاستثمار العقاري في العاصمة المقدسة يشهد نمواً متزايداً نظراً للزيادة السنوية المضطردة في أعداد الحجاج والمعتمرين والزوار للعاصمة المقدسة، في ظل التوسعات المتتالية التي تنفذها الحكومة، والنشاط الاستثماري المتنامي في الخدمات المساندة التي تنفذها الشركات والمؤسسات الرسمية والأهلية والتطويرية، مما يفتح المزيد من آفاق الاستثمار الشامل في العاصمة المقدسة. ويقدر حجم الاستثمارات الفندقية وسكن الحجاج في العاصمة المقدسة بأكثر من 400 مليار ريال، حيث تستقبل مكةالمكرمة نحو 5 ملايين زائر على مدار العام. وتوقع العقاريون توجه سيولة كبيرة من المنطقة المركزية المحيطة بالحرم المكي الشريف إلى المناطق العشوائية القريبة من الحرم والمخططات السكنية الجديدة، حيث بدأ أصحابها في رفع الأسعار واستغلال الوضع الذي تعيشه عقارات مكة بعد قرار التوسعة. وأوضح خبراء في السوق أن تأسيس شركات محلية ضخمة تضم عقاريين ذوي خبرة محلية مدعومين بالكفاءات العلمية المناسبة بدخول مجال الاستثمار العقاري يبشر بأن الطفرة العقارية القادمة ستكون أكثر واقعية وأطول عمراً، متوقعين أن يساهم ذلك في عودة الكثير من رؤوس الأموال المهاجرة إلى السوق السعودية بعد أن توافرت لها المعطيات العلمية للاستثمار العقاري فضلاً على زيادة الطلب. ولا تزال السوق السعودية بحاجة لمشاريع الاستثمار العقاري في مجالات عدة مثل مشاريع تملك الوحدات السكنية والمكاتب التجارية والمستودعات والمدن الصناعية، والتي ستشهد طلبا كبيرا جداً خلال الفترة المقبلة، مما سيوفر فرصا كثيرة جداً ومستمرة في هذا الاستثمار الآمن. ولا تزال كذلك، صناعة بناء المجمعات التجارية هي الرائدة وأصبحت فيها المنافسة كبيرة بين المطورين الذي بدؤوا في تطوير تصاميم الأشكال الهندسية في تصميم مبنى المجمع مما يساعد على جذب المستثمرين من محلات تجارية وجذب الزبون من الزوار والراغبين في الشراء. وتوقع عقاريون عودة تدريجية للاستثمارات التي ستضخ في العقارات السكنية والتجارية والخدمية في المملكة، لافتين إلى أن أكثر من جهة استثمارية أبدت رغبتها في الاستثمار في العقارات المنجزة في السعودية والاستحواذ على بعض المشاريع. إلى ذلك ذكر تقرير عقاري أن العقارات كانت ولا تزال ذات أهمية قصوى لأي مستثمر يسعى إلى تنويع استثماراته ولا تقل عن الأسهم والسندات والمرابحات والسلع بل والمشاريع المنتجة أيضاً. كما نبه تقرير شركة المتخصص العقارية إلى أن متوسط عائد الاستثمار في العقارات بالخليج والدول العربية حقق متوسط عائد يبلغ 8.2 في المائة سنوياً خلال السنوات العشر الماضية، وأضاف كذلك أن العائد على أسهم الدول نفسها على المدى الطويل بلغ ما متوسطه 16.3 في المائة سنوياً، أما السندات والصكوك فقد حققت متوسط عائد يبلغ 6.2 في المائة سنوياً على المدى الطويل وأن أداء العقارات بصفة عامة هو أداء متوسط بين السندات والصكوك التي تتسم بأنها الأقل مخاطرة. وقال عقاريون إن سوق العقار السعودي يشهد بعد شهر رمضان استقرارا، معتبرين ان السوق شهد في الفترة الأخيرة دخول مضاربين لا علاقة لهم بالعقار. ولفتوا إلى أن أبرز الأسواق العقارية الواعدة في السعودية هي أسواق مكةالمكرمةوجدة والطائف، كما أن 50 بالمائة من مكةالمكرمة سوف يعاد بناؤه، وتم اعتماد 30 مليار ريال لنزع ملكيات في ساحات الحرم، ويجري حالياً تطوير 5 مشاريع، منها مشروع تطوير وقف الملك عبد العزيز على مساحة 30 ألف متر مربع. ولفت العقاريون إلى أن السوق شهد خلال الثمانية أشهر الماضية زيادة كبيرة، إلا أنهم رأوا انه بعد رمضان ستعود الأمور إلى ما كانت عليه، والسبب في ذلك أن السوق شهد دخول أناس غير عقاريين، لكن الوضع حاليا يميل إلى التصحيح. وأضافوا ان هناك أنظمة قوية ستفعل لتنظيم سوق العقار، مثل نظام الرهن العقاري، كما أن أي مخطط لن يرخص إلا بضمان بناء 75 في المائة منه، مبينين ان السوق واعد والطلب عليه كبير ويقابله نقص هائل في الوحدات السكنية. وأجمع العقاريون على إن من الخطوات المهمة لتطوير سوق العقار هو تحويل صندوق التنمية العقاري إلى القطاع الخاص لحل مشاكل كبيرة، ودعوا لإنشاء بنك للعقار، وتأسيس صندوق للأجيال خاص بالعقار، مثل صندوق الأجيال للتعليم، وصندوق الأجيال للحج والعمرة في ماليزيا. وذكروا أن تراجع أسعار الحديد في بعض المصانع المحلية أمر مشجع بالنسبة للسوق العقارية، مشيرين إلى أن هذا التراجع سيرفع الطلب على أراضي الفضاء خلال الفترة المقبلة. وأكدوا أن سوق العقارات في المملكة تمتاز بتريث مستثمريها وعدم استعجالهم في اتخاذ قرارات البيع أو الشراء، لافتين إلى أن هذا الإجراء يزيد من استقرار السوق. كما أجمعوا أن التراجع في أسعار الأراضي والعمائر والفلل يرجع لعدم اكتمال المنظومة العقارية «نظام الرهن العقاري»، وبعض الإشكاليات التنظيمية، والأزمة المالية العالمية. وعلى الرغم من تنامي التوقعات الإيجابية حيال المستقبل الواعد للقطاع العقاري السعودي على ضوء المحفزات الاقتصادية المحيطة به، فإن السوق تمر بأزمة في الوقت الراهن. ويعود كل ذلك إلى ارتفاع معدل نمو السكان، وغياب الآليات الفعالة التي تساهم في إحداث نقلة نوعية في السوق تساعد في تخفيف حدة الأزمة. وعلى الرغم من أن هذه السوق تعد الأكبر على مستوى المنطقة إلا أنها تحتاج إلى استثمارات خلال العشرين عاماً المقبلة قدّرها عقاريون بنحو 640 مليار دولار. وأجمع خبراء ومستثمرون في السعودية على أن قطاع العقار المحلي نجح في استقطاب حصة لافتة من الاستثمارات المالية إليه في أعقاب التراجعات الحادة التي شهدها سوق المال السعودية، وذلك في محاولة من قبل المستثمرين لتوجيه استثماراتهم إلى فرص واعدة تمكّنهم من الحفاظ على مدخراتهم، وتعينهم على تجاوز الانتكاسة التي تعرضت لها استثماراتهم جرّاء تقلبات سوق الأسهم. وتجمع الآراء والدراسات على أن القطاع العقاري السعودي نجح في استقطاب حصة كبيرة من المدخرات والاستثمارات الوطنية وذلك على اعتباره من أكثر القطاعات الاستثمارية أمناً ونمواً وأقلها مخاطرة. فقد حقق القطاع العقاري السعودي خلال الأعوام الخمسة الماضية نمواً في رأس المال الثابت في السوق العقارية تجاوزت نسبته 40 في المائة وذلك خلال أعوام 2000 - 2005، في الوقت الذي استطاع خلاله تحقيق نمو في الناتج المحلي من 41.7 مليار ريال في عام 2000 ليصل إلى أكثر من 54.5 مليار ريال في عام 2006، مدعوماً بسلسلة من العوامل المحفّزة التي جعلت منه أكبر الأسواق في المنطقة ومن أكثرها جاذبية. ويتصدر نمو الناتج المحلي قائمة العوامل التي أسهمت في انتعاش القطاع العقاري، حيث أسهم هذا النمو في ارتفاع الطلب على العقارات، بالنظر إلى توافر السيولة، والحرص على الحفاظ على رؤوس الأموال في الداخل، وأسعار الفائدة المتدنية مع توقعات ارتفاع معدل العوائد في قطاع العقار، في الوقت الذي أسهمت فيه الأنشطة الخدمية المرتبطة بقطاع التطوير العقاري خلال الفترة من 2003م - 2005 بما نسبته 14.1 في المائة إلى 13 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الفعلي في المملكة. وعلى رغم من ذلك فان العاصمة الرياض تشهد وحدها مشاريع ضخمة، ستكون نواة لتخطيط المدينة المستقبلي. وتصل حجم الاستثمارات المعلنة في مدينة الرياض إلى (26.6 مليار دولار) موزعة بين مشاريع حكومية وخاصة. وكانت السوق شهدت طفرة كبيرة خلال السنوات الخمس الماضية، وهي مهيأة حالياً لاستيعاب الاستثمارات- وفقاً لخبراء عقاريين لتحقيق طفرات أكبر - في ظل التزايد السكاني الكبير الذي تشهده المملكة عموماَ والرياض خصوصاَ، إذ ينمو سكان العاصمة بمعدل 8 في المائة سنوياً، بواقع 3 في المائة نمو طبيعي، و5 في المائة هجرة إلى العاصمة.