الحمد لله العلي القدير، على سلامة سمو الأمير، وهنيئاً بحفظ الله له، والمعافى غير مخدوع. ومن كان الله معه، فمن عليه؟! ومن كان الله عليه، فمن معه؟! إن لنا في هذا الحادث البشع دروساً وعبراً ووقفات تأملات، عسى أن نراجع ما فات، لنأخذ الحذر فيما هو آت، من شرور هؤلاء الشراذم، وخداع أولئك الطغام. أولاً: عندما يتعاهد أهل التواضع والحنو والوفاء والمروءة والنخوة والعدالة مع أهل الوضاعة واللؤم والخسة والنذالة والغدر والخياة والرذالة، يكون لأهل التواضع في نهاية الطريق الحظ الأوفى من العلو والشرف والرفعة، مهما كانت خسائرهم على جنبات الطريق، ويرد الله تعالى أهل الخيانة والغدر ويغيظهم لم ينالوا خيراً، «وكفى الله المؤمنين القتال» الأحزاب: 25، وتبقى راية القيم مرفوعة، وراية الخسة والغدر منكوسة موضوعة. ثانياً: المسلم يحفط العهد، ويصون الود، وينأى عن الخيانة والغدر، لذلك من أصول الديانة والبر، فلا يقبل منه هذاالسلوك المشين، ولو كان المعاهد من الكفار والمشركين، وقد جاء في المثل السائر: «الموت خير من لباس الغدر». وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب»، مسند الإمام أحمد بن حنبل، 252:2، والبيهقي في السنن، 197:10. وعن عبدالله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر» صحيح البخاري 12:1. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدراً من إمام عامة». البخاري، 1164:3، ومسلم 1738:3. ثالثاً: تباً للخسيس، الذي تعمد التدليس والتلبيس، ولبس عباءة الرهبان، خداعاً وخلابة، حتى يظفر بما يريد، ولكن هيهات هيهات، لقد جعله الله تعالى كالباحث عن حتفه بظلفه، وقديما قالوا: «أتتك بهالك رجلاه»، وقد عجل الله له العقوبة في الدنيا، ومزقه شر ممزق، وهوت الدواهي، والكلاب تنبح والقافلة تسير. رابعاً: لقد سلم الله تعالى برحمته سمو الأمير، لعدة أمور: أ/ حفظ الله عز وجل لعباده المؤمنين، ومن كان في معية الله، أمن المخاوف كلها، وقد أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - عبدالله بن عباس، فقال: «يا غلام إني أعملك كلمات، أحفظ الله يحفظك، احفط الله تجده تجاهك، إذا سألت فأسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف». قال الترميد: هذا حديث حسن صحيح. سنن الترميذي 667:4. ب/ إن لسمو الأمير نية صادقة - إن شاء الله - في استصلاح هؤلاء البغاة، والوقوف الحازم في وجه أهل الفساد والإجرام، فكانت سلامته من سالمة نيته وصدق سريرته. ج/ دعوات المسلمين الصالحين لولاة الأمر البلاد - حفظهم الله تعالى - بالحفظ والتوفيق والتسديد وافقت ساعة إجابة، فكان لها الأثر العظيم في نجاتهم من كل مكروه وسوء. فعن عوف بن مالك قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم، ويحبونكم، وتصلون عليهم، ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم، ويبغضونكم، وتلعنونهم، ويلعنونكم». قالوا: قلنا: يا ريال الله، أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، إلا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة». صحيح مسلم. 1482:3. د/ لقد كان سمو الأمير جديراً بأن يقر الله عين أحبابه بنجاته، فأعماله الجليلة وتبرعاته التطوعية خير شاهد على سلامة قصده وحسن سريرته، نحسبه كذلك والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحداً، قال الله تعالى: «ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدراً» الطلاق: 3،2. خامساً: لقد أثبت هؤلاء (الذين يدعون الإسلام، والإسلام من أفعالهم براء) أن قلوبهم بالحقد مملوءة، وجرائمهم على ذلك شاهدة، يخونون العهود، وينقضون المواثيق، الغدر شيمتهم، واللؤم طويتهم، قال تعالى: «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فلا نقيم لهم يوم القيامة وزينا» الكهل: 104، 105. سادسا: أثبت التاريخ منذ ظهورهم، أن الله تعالى لهم بالمرصاد، فكلما قامت لهم قائمة هدَّها الله، وكلما التفت حولهم جماعة فرقها الله على شر حال، يقول وهب بن منبه: «إدركت صدر الإسلام، فوالله ما كانت للخوارج جماعة إلا فرقها الله على شر حالاتهم، وما أظهر أحد منهم قوله إلا ضرب الله عنقه، وما اجتمعت الأمة على رجل قط من الخوارج، ولو أمكن الله للخوارج من رأيهم، لفسدت الأرض، وقطعت السبل، وانقطع الحج عن بيت الله الحرام، وإذ لعاد أمر الإسلام جاهلية، حتى يعود الناس يستيعينون برؤوس الجبال، كما كانوا في الجاهلية، وإذن لقام أكثر من عشرة أو عشرين رجلاً، ليس منهم أحد إلا وهو يدعو إلى نفسه بالخلافة،... يقاتل بعضهم بعضاً، ويشهد بعضهم على بعض بالكفر، حتى يصبح الرجل المؤمن خائفاً على نفسه ودينه ودمه وأهله وماله، لا يدري أين يسلك، أو مع من يكون» مناصحة وهب بن منبه لرجل من الخوارج: 12:1. سابعاً: إن جهود سمو الأمير في صد هؤلاء كان لها عظيم الأثر في ردهم ودحرهم، وقد رجع بعضهم عن غيه، كما رجع كثير ممن تأثر بأفكارهم عن سلوك سبيلهم، فإن أفعالهم لا يقرها عرف ولا دين ولا نظام، فقد استباحوا الأعراض والدماء، وقتل النفوس المعصومة، وقطعوا السبيل الآمنة، وخرجوا على ولي الأمر والجماعة، وشقوا عصا الطاعة، وأخلوا بأمن البلاد، وأخافوا العباد، بسوء تدبيرهم، وخسة أفعالهم. أخيراً: إن ما أصاب الأمير من جروح طفيفة لهي أرقى وسام، وأحلى حلية، وأبلغ دليل على أن ولاة أمر البلاد في الطليعة ضد أهل الزيغ والفساد، يواجهونهم بصدورهم واثقين بنصر الله، غير هيابين لأعداء الله وأعداء الأمة من أعوان الشياطين، وأذناب الحاقدين، وعملاء المخربين الطاعمين، «والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون». يوسف: 21. *رئيس المحكمة المستعجلة بالرياض