في الوقت الذي لم تكن فيه أي قيود على البناء في المستوطنات، أجرى محمود عباس لقاءات عديدة مع إسحق رابين، شمعون بيريس، بنيامين نتنياهو، أيهود باراك، ارئيل شارون، وبالطبع مع أيهود اولمرت، خلال تعاقبهم على رئاسة الحكومة. والآن فقط وفي الوقت الذي ينتهج فيه نتنياهو سياسة التجميد المطلق، بدأ أبو مازن بإطلاق التحذيرات والشروط المسبقة وهي بدون تجميد للبناء في المستوطنات لن يلتقي بنتنياهو، كما صرح بذلك لقناة الجزيرة. جميع الإدارات الاميريكية السابقة مارست ضغوطاً لوقف الاستيطان في الضفة الغربية. ولم تذعن لهذه الضغوط سوى حكومة رابين، وبقية الحكومات الإسرائيلية حتى حكومة نتنياهو الحالية، تجاهلت هذه الضغوط ولم توقف البناء في المستوطنات نهائياً. ولم يسبق أن توقف البناء الاستيطاني بشكل كبير كما هو حاصل الآن على حد زعم رؤساء مجلس المستوطنات في لقائهم الأخير بنتنياهو. لكن نتنياهو، على الرغم من الرئيس ومؤيديه في واشنطن، ورام الله، والقاهرة وفي تل أبيب، لا يستطيع الالتزام رسمياً وبشكل علني بما بفعله حالياً. لان غالبية أعضاء حزبه وكتلته في الكنيست سيقولون له بأنهم لم يوصلوه للحكم ليصبح مقاول تنفيذ - وبشكل أكثر تطرفاً من المصدر - لليسار، والفلسطينيين والأميركيين. كما أنه إذا استمر في هذه الطريق فلن يمكنه البقاء رئيساً للحكومة لوقت طويل. وعليه فان نتنياهو سيجد نفسه في موقف صعب، إما أن يكون أو لا يكون. لأنه توجد خطة يُعمل على حياكتها في إسرائيل حالياً لاستئناف أعمال البناء في المستوطنات القديمة التي تعاني من التجميد. ما الذي سيفعله نتنياهو؟ هل سيرسل الشرطة لمهاجمة كبار المستوطنين في "كدوميم" و "عوفرا" كما فعل اولمرت مع أبنائهم وأحفادهم في مستوطنة "عمونا"؟ إن التجميد كما يقول نتنياهو للمستوطنين ورجال الليكود الغاضبين، هو أمر مؤقت. كما أنه لا يشكل تهديداً وجودياً كالتهديد الإيراني. فبدون تدخل أميركي ستتمكن إيران من الحصول على السلاح النووي. وإذا كان رئيس الوزراء يؤمن بهذا الرابط "يتسهار مقابل بوشهر"، فهو فعلاً إهانة للذكاء. الأمريكيون، كما يقدر الخبراء، لن يهاجموا إيران. والعقوبات، مهما كانت صارمة، ستزيد من عزيمة الطائفة الخمينية لتحقيق مآربها. كما أن خضوع إسرائيل لاملاءات بشأن تجميد البناء، سيجعل الحكومة تحني الرأس مرة أخرى، فحتى لو مرت الموجة فإنها لن تتجرأ على رفع رأسها ومهاجمة إيران. إن إسرائيل مستقلة في سياستها الخارجية، الأمنية والاستيطانية والتي ستثير المعارضة والغضب، ولكنها ستثير أيضاً الخوف وإعادة التقدير لدى أعدائها، لأنها لن ترضى بأن تكون مكاناً لتنفيذ خيالات رئيس أمريكي لا يعرف بالضبط ما هي "الرؤيا" التي يتطلع إليها باستثناء إطلاق شعارات متصالحة، وليس كيفية تحقيقها. ويبدو أن رئيس السلطة الفلسطينية توصل على ما يبدو الى الاستنتاج بان ما وصلت إليه إسرائيل اليوم في العالم، والتفتت الداخلي للصف الإسرائيلي فليس مجديا له الآن استئناف المحادثات معها. من الأفضل في نظره وضع تكون إسرائيل فيه متعرضة للهجوم من كل صوب وتواصل فقدان مكانتها، تراصها وثقتها بنفسها. وحين يتم إحكام الطوق عليها من كل جهة، وتنشغل الحكومات والمنظمات في أنحاء العالم بأمور أخرى، سيكون ممكنا بدء السعي لتحقيق الرؤيا الحقيقية وهي دولة فلسطينية من النهر وحتى البحر. خارطة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية («الرياض» - خاص)