أسطّر هذه الكلمات بعد وفاة والدي الدكتور عبدالرحمن محمد الشثري رحمه الله تعالى، الذي وافته المنية يوم الثلاثاء السادس من شعبان. نعم يا والدي إنك الشمس التي تشرق علينا كل يوم بدخولك من باب البيت فتضيئه، وتغمرنا بالحنان والحب والسعادة، فتدب الحياة في البيت، ويعج المنزل بضحكاتك الرنّانة المشهور بها، ومثلما تشرق الشمس لابد لها من المغيب ولابد يوماً من الرحيل. رحلت يا والدي ولكنك باقٍ في قلبي وقلب محبيك، من نعرفه ومن لا نعرفه، توافد علينا الناس في العزاء جزاهم الله عنّا كل خير، كل من حضر عزاءك حضر محملاً بدموعه، وبذكريات جميلة، القريب والبعيد يشيد بأفعالك الخيّرة، وحبّك لمساعدة الناس، وشهامتك، ونبل أخلاقك، قال الرسول صلى الله عليه وسلم (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس) وأنت كنت نافعاً لكل من يلجأ إليك، من دون كلل أو ملل أو ضجر، لم تنس عملك حتى في شدة مرضك، وأنت مثال للجد والتفاني والإخلاص في العمل، قلّما نجد مثله في هذا الزمان. أدخل عليك وقد حوّلت غرفتك في المستشفى مكتباً تقلّب أوراقك، وتنتقل بين جهاز الكمبيوتر المحمول وملفاتك وتجتمع بالأطباء لتطلب بيانات تخص العمل. والسكرتيرة تواصل عملها وتعمل مواعيد لهذا وتُدخل ذاك، كل هذا وأنت على سرير المرض والحمّى مشتعلة في جسدك. كنت يا والدي تداوم في مكتبك، في المستشفى العسكري من الساعة ال7:30 حتى الساعة الخامسة، على الرغم من انتهاء خدمتك فيها، بعدما انتقلت إلى العمل في الخدمات الطبية (مخرج 11)، مواصلاً العمل فيه وبكل أمانة ومثابرة، حتى لا يتوقف العمل في المستشفى؛ لأنهم لم يختاروا بديلاً لك، ظللت تراوح بين عملك في المستشفى والسليمانية، وعملك في الخدمات الطبية، وتعقد الاجتماعات وتدير اللجان المتوقفة، من دون أن يطلب أحد منك ذلك. ومن المواقف التي لن أنساها ذلك اليوم حين كنت ذاهباً في اجتماع رئاسة اللجنة الطبية والاستشارية العليا في مستشفى الظهران، وكنت مصاباً بحمّى شديدة مصحوبة برعدة، كنت تقف في جانب الطريق حتى تخف الحمى، وتواصل طريقك بالسيارة. رحمك الله رحمة واسعة، لا يراك أحدٌ إلا باسماً حامداً لله، شاكراً لأنعمه، يألفك الكبير والصغير، ذو مبادئ عظيمة ومثل عليا تتمثل في الأمانة والإخلاص في خدمة بلدك، من دون التطلع إلى مناصب عليا، ولا يسعني إلا أن أقول، رحمك الله يا أبي وتقبّلك في الصالحين وجعل قبرك روضة من رياض الجنة، وجعلك ممن حملوا كتابهم بيمينهم، اللهم آمين. أيا رباه يا رب الوجود بجودك فاجزه الأجر المزيد أيا رباه ذا العرش المجيد بعفوك فاجزه دار الخلود