وفق ما نُشر في إحدى الصحف فإن ما يقارب من 40٪ من وجبات رمضان مصيرها النفاية، وهي حقيقة تكشف بجلاء مدى استبصارنا الاقتصادي القاصر للظروف المستقبلية وتواضع قناعاتنا من مشروعية رمضان في التقويم السنوي كشهر يفترض فيه إعادة شحن العقل الباطن بالقوى الروحانية والطاقات الإيجابية، وإتاحة الفرصة فيه لأجهزة الجسم لإعادة صيانتها وبتخفيف آليات البناء والهدم في خلاياها مدة شهر في السنة حتى تتهيأ مرة أخرى لتحمل أعباء سنة مقبلة. توجس الكثير من الأسر من الظمأ والجوع في الشهر الفضيل ورغبة الكثيرات من ربات المنازل بالتفنن العشوائي في إعداد أطباق متكلفة مستحدثة وتسارع القنوات الفضائية في تسويق فقرات طهاتها الذين يبتكرون وجبات باهظة تتأسس على العديد من المواد الاستهلاكية لاستحثاث سيدات المنازل لتجريب منتجات الراعي الرسمي للبرنامج المعروض، كل ذلك يبرر عشوائية الإقبال ببذخ على ردم عربات التسوق بأكوام المغلفات الغذائية وزجاجات المشروبات ودرازن المعلبات استعداداً لرمضان! وكميات الجملة تلك ستردم في مخزن المنزل لكثرتها ولن تغني في الواقع عن استمرارية التسوق والإسراف خلال الشهر الفضيل، ولو نظرنا بميزان طبي وفلترنا مجمل المشتريات العشوائية التي لا تتناسب بشكل موزون مع متطلبات الجسم الحيوكيميائية والديناميكية المفترضة واقعياً في شهر الصوم، لوجدنا أن ما يقرب من 70٪ عبارة عن مواد كربوهيدراتية ستضع كامل أثقالها النشوية والسكرية المعقدة على كاهل البنكرياس ليحللها إلى سكريات بسيطة سيحرق جزءاً بسيطاً منها كطاقة ويدخر الباقي كدهون متراكبة في ثنايا الجسم، أما بقية 30٪ من المشتريات ستتوزع على باقي المجموع الغذائية، وهو ما يمهد لاطراد نسبة داء السكري النوع الثاني لتقفز بمعدلات جديدة تزيد عن 25٪ في الشعب السعودي. أما لو أزحنا الدواعي النفسية السلوكية وتجاوزنا جوانب أهمية التوعية الصحية عن مشهد التسوق العشوائي، فلا تزال الأسرة السعودية المتشكلة حديثاً في هذا المشهد الاستهلاكي المسرف تغط ربما في سبات عن مفهوم الإدخار المالي ورفع مستوى الدخل. إنها لا تزال تتخبط بعيداً عن ترسية فكر اقتصادي أسري يتماشى مع مجمل الموارد المالية الشهرية للأسرة ويؤمن لمستقبل يرتقي بها عن حدود الكفاف وله القدرة على التأثير في مسار انخفاض أو ارتفاع الأسعار وفرض وجود سلع وبدائل منافسة على أرفف المتاجر تناسب دخل الفرد عوضاً عما نراه على الأرفف من بدائل لا تتنافس سوى ببضع هلالات فلابد من إعادة توجيه فكرة التسوق لتغيير مسار التبضع نحو السلوك الصحيح الذي يصب في مصلحة الجوانب الصحية والاقتصادية ويحقق الهدف من مشروعية الشهر الفضيل.