لم يعد المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك ملتقى للسياسيين لمناقشة النزاعات الدولية والبت فيها بل أصبح أيضاً ملتقى للثقافات والحضارات العالمية ومن بينها ما تم مؤخراً، الثقافة والحضارة العربية منذ ما قبل الإسلام وحتى عصرنا الحاضر. فمن خلال جهد دؤوب استغرق سنوات تمكن الدبلوماسي السعودي منصر سالم لسلوم اليامي من بناء أساس راسخ لتواجد ثقافي عربي دائم يسجل له في الأممالمتحدة. هذا التواجد بدأ تحت مسمى "المنتدى الثقافي العربي في الأممالمتحدة" ثم تحول بناءً على إلحاح من السيدات العربيات العاملات في المنظمة الدولية، إلى مسمى "تجمع السيدات العربيات في الأممالمتحدة" واستقر الوضع حالياً ومستقبلاً على هذا المسمى. وفي لقاء مع "الرياض" يقول الأستاذ منصر اليامي عن بداية هذا التواجد الثقافي العربي الذي أوجده في الأممالمتحدة: "خلال أدائي لعملي الدبلوماسي في وفد المملكة، لاحظت أن هناك جانباً على قدر كبير من الأهمية تخلو منه الأممالمتحدة لا يقل شأناً عن الجانبين الدبلوماسي والسياسي وهو الجانب الثقافي الذي عن طريقه يمكن لنا إبراز الثقافة العربية بكل أنواعها من خلال هذا المحفل الدولي الذي يتكون من كل أمم الأرض وكل الثقافات وكل الأجناس. وبالفعل تم بلورة فكرة إنشاء منتدى ثقافي عربي يجمع كل المهتمين من دبلوماسيي البعثات العربية والإعلاميين والعاملين العرب في الأممالمتحدة بهدف إقامة الأنشطة الثقافية العربية المختلفة والتعريف بالثقافة العربية للآخر، بل وإعادة تعريف الثقافة العربية لأبنائها في المهجر والتواصل معهم وإشعارهم أن لديهم حضارة وإرثاً عظيمين. الأستاذ منصر اليامي يلقي كلمته في الأمسية وبعد أن اتضحت معالم الفكرة وبلورتها تم وضعها موضع التنفيذ بحيث كان الاتفاق في البداية أن يكون المنتدى تحت مسمى "المنتدى الثقافي العربي في الأممالمتحدة" يكون دوره تقديم كل ما يهم الثقافة العربية في كل البلدان العربية دون استثناء. ولقد تحمس مجموعة من الدبلوماسيين العرب والسيدات العربيات العاملات في الأممالمتحدة بأن قاموا بأدوار تنفيذية مهمة تتعلق بالتنظيم وإرسال الدعوات للضيوف واستقبالهم وإدارة الأمسيات. ولقد اثبتت السيدات العربيات - على وجه الخصوص - بالفعل قدرة وحباً للعمل الثقافي إلى درجة أنهن طلبن أن يتم تسمية المنتدى ب "تجمع السيدات العربيات في الأممالمتحدة". وبالفعل تمت الموافقة على طلبهن تكريماً لهن ومنذ ذلك الحين وحتى الآن بدأ المنتدى في إقامة النشاطات الثقافية العربية". وحول تلك النشاطات الثقافية العربية التي قام بها "تجمع السيدات العربيات في الأممالمتحدة" قال الأستاذ منصر اليامي: "قام التجمع منذ إنشائه بالعديد من الأنشطة الثقافية العربية كان من أبرزها دعوة المهتمين من الوفود العربية لدى الأممالمتحدة، من سفراء ودبلوماسيين، للمشاركة في أمسية شعرية تشمل الشعر العربي بشقيه الفصيح والعامي وقد أقيمت الأمسية وشارك فيها جمع من السفراء والإعلاميين والدبلوماسيين العرب وحضرها جمهور كثيف من مندوبي ودبلوماسيي الدول الشقيقة والصديقة لدى الأممالمتحدة ومن العاملين في المنظمة الدولية. جانب من الحضور أيضاً، أحيا التجمع أمسية شعرية تتناول شعر نزار قباني وبداياته وتم إلقاء العديد من قصائده، ثم بعد ذلك تم تأبين للشاعر الراحل محمود درويش حضره السفراء العرب بمن فيهم سفير فلسطين لدى الأممالمتحدة. وعن الأمسية الأخيرة التي احياها تجمع السيدات العربيات في الأممالمتحدة تحت مسمى "عكاظ في نيويورك" قال الأستاذ منصر سالم لسلوم اليامي في ختام حديثه ل "الرياض": استوحت الأمسية مسماها من سوق عكاظ الشهير الذي كان العرب الأوائل يتبارون فيه بقصائدهم وكان بمثابة منتدى ثقافي برزت فيه المعلقات التي ما زالت إلى الآن تعد من أمهات الشعر العربي على الإطلاق. وقد حرصت في كلمتي كونها الكلمة الوداعية نظراً لعودتي إلى المملكة، على حث الإخوة والأخوات العرب مواصلة الجهد في إبراز تراثنا وثقافتنا عبر الأممالمتحدة. وتكونت الأمسية من جانبين، جانب شعري تناول الشعر العربي الجاهلي والأموي والعباسي وشارك في هذا الجانب عدد من السفراء والدبلوماسيين والإعلاميين والعاملين العرب في الأممالمتحدة. أما الجانب الثاني فكان فيه إحياء للقصائد العربية المغناة والموشحات العربية القديمة وتم ذلك من مشاركة إحدى الفرق العربية الموسيقية المحترفة المتواجدة في مدينة نيويورك. وقد عبَّر الجمهور الغفير من العرب والأجانب عن سعادتهم وإعجابهم بالثقافة العربية التي تزخر بكم هائل من الأصالة والإبداع التي يجب إبرازها وتقديمها في الأممالمتحدة، كما عبروا عن تطلعهم لمعرفة المزيد عن سوق عكاظ الشهير وكيفية زيارته، والشيء الذي سرني كثيراً في تلك الأمسية أن الآباء والأمهات العرب أحضروا معهم أطفالهم لتعريفهم بتراثهم وثقافتهم رغم المعرفة المحدودة لدى بعضهم باللغة العربية".