في الفترة الماضية من زمن الوعي الثقافي اعتبرت السرقات الأدبية وصمة عار يجرم فاعلها ثقافياً وأخلاقياً وتلصق به معرة فعلته الشنعاء، بحيث يختفي من الساحة الثقافية بل حتى الاجتماعية لشعوره بالخزي أمام الناس واستنقاصه لنفسه بين الناس بفعلته النكراء، وقد حدثت معارك أدبية بين كبار الأدباء في الماضي على أشياء لا يمكن وصفها بالسرقة وإنما تندرج تحت ما يسمى - بوقع الحافر على الحافر - وهذه التسمية لا أحبها في الواقع - أو توارد الخواطر منها إلى السرقة، ومع ذلك قامت الدنيا الثقافية من أجلها ولم تقعد إلا بعد حين، كيف لو شاهدوا عصرنا الحاضر وما يحدث فيه من نهب وسلب ثقافي واعتداء على الحقوق الفكرية بكل وقاحة، روائي يسرق أعماله صديق ويدعي أنه ناقد منصف أراد الاطلاع عليها فانتحلها ويدعي أنها من بنات فكره النير!! وآخر انتحل عناوين قصص لافتة ومتميزة من قصص أصحابه، لنفسه مدعياً بأن ذلك في عرفه جائز!! وباحث أجهد نفسه في البحث والتقصي عن شخصية أدبية مبدعة غفل عنها الزمن وأمضى من أجل بحثه عدة سنوات وعندما أنجز بحثه عرضه على صديق حميم كما كان يتصور من الذين يدعون الأدب وسمو الأخلاق فقام هذا الرفيع الجناب بلطش البحث ونسبه إلى نفسه وأنكر جهد صاحبه وليته اكتفى بذلك بل أنكر كذلك معرفته بالباحث متهكماً به كلما ادعى عليه صاحبه قائلاً: (من يصدق أن هذا وجه باحث)!! ومخترع عرض اختراعه على شركة كبرى لحل إحدى المعضلات التي كانت تواجهها في مجال عملها فأخذت الاختراع وصممته لمصلحتها وسجله أحد موظفيها الذي أجرى المقابلة مع المخترع باسمه ونسي المخترع الحقيقي!! هل يصدق أحد أن يحدث كل هذا في مجتمع ثقافي متعلم يدعي الفضيلة الثقافية وسمو الخلق؟ أجل وبكل تأكيد يحدث ذلك وما دامت الأدلة والبراهين موجودة فلا مناص من التصديق بما يحدث فعلاً. ومن المحزن وما يدعو إلى القهر وخيبة الأمل أن يكون أدعياء المثالية وحراس الفضيلة الثقافية هم من يقوم بما هو اسوأ وأدهى وأمر من ذلك، المؤتمنون على حفظ الحقوق الثقافية والأفكار في بعض الصحف، يحجبون الأفكار في مقالات بعض كتاب الصحيفة، ويقومون بكتابتها بعد حين ويدعونها لأنفسهم، فقد أفادني صديق يعمل في تلك الصحيفة أن بعض نواب رئيس التحرير يتصيدون الأفكار المؤثرة والهامة من مقالات كتاب الصحيفة فيحجبونها ومن ثم ينتحلونها لأنفسهم، وبرر أفعالهم هذه بأنهم في الحقيقة لا يحملون أفكاراً إبداعية متجددة من ناحية، ومن الناحية الثانية بسبب انشغالهم بالعمل الوظيفي بالاضافة إلى أعمالهم الخاصة التي تأخذ جل أوقاتهم فلا يكون لديهم مجال للتفكير في كتابة مقالاتهم المطلوبة منهم شهرياً، لذلك يقومون بالقرصنة الثقافية بين فترة وأخرى لسد الفراغ الفكري لديهم بصيد الخواطر والأفكار من أكتاف المقالات المرسلة لهم، ويتخذون من قراصنة البحر الجدد مثالاً لهم.