تعهد الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بإنهاء ملف المفقودين وغلقه نهائيا قبل نهاية شهر مارس - آذار العام 2005 فور تسلمه التقرير النهائي للجنة الوطنية الاستشارية لترقية وتطوير حقوق الإنسان التابعة للرئاسة والتي أوكلت لها مهمة التكفل بهذا الملف الذي ما يزال يشكل عبئا سياسيا ثقيلا على النظام في الجزائر ويرهن كل محاولات الخروج من الأزمة بل قد يرمي بموضوع العفو الشامل الذي يريد الرئيس بوتفليقة إقراراه عبر استفتاء شعبي إلى البحر ما لم يطو هذا الملف بالطريقة التي تريدها عائلات المفقودين أي معرفة الحقيقة حول مصير أبنائها أهم أحياء أم أموات بعيدا عما تسميه «شراء الذمم والأصوات عبر التعويضات المالية والإغراءات المادية» . وترى الأوساط المتتبعة لملف المفقودين في الجزائر، الذي تتباين في الحقيقة الأرقام بشأن عددهم الحقيقي، أهم 7 آلاف مثلما تشير إليه التقارير الرسمية، أم 18 ألف مفقود مثلما تؤكده الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، التي يقودها الناشط الحقوقي الكبير، علي يحي عبدالنور محامي الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، فضلا عن تباين الاتهامات والأدلة حول الجهات التي اختطفتهم، أهي الجماعات المسلحة الإرهابية، أم أجهزة الأمن الجزائرية، ما جعل هذا الملف من أعقد الملفات السياسية في الجزائر مثلما اعترف به سابقا الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة نفسه عندما قال «إن الملف معقد وحساس وهو لا يخفى على أحد». ترى أن الاهتمام الكبير الذي يوليه الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لملف المفقودين خلال السنتين الماضيتين وحرصه الحالي على طيّه نهائيا قبل أقل من ثلاثة أشهر مثلما أكده بمناسبة الذكرى ال 56 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد استعصاء التوصل لأكثر من 10 سنوات لحل موضوعي ومرض تقبل به جميع الأطراف المعنية، دليل على أن مسودة مشروع العفو الشامل الذي أقره بوتفليقة ويريد طرحه للاستفتاء الشعبي، جاهزة وأنه لم يبق لها سوى الخروج للرأي العام استكمالا للمصالحة الوطنية التي بنى على أساسها الرئيس بوتفليقة برنامجه الانتخابي لرئاسيات الثامن أبريل وكانت وراء إقبال الناخب على صناديق الاقتراع أملا في الخروج من دوامة العنف ونزيف الدم ولغة السلاح. ولا تستبعد ذات التحاليل أن يكون وراء التعجيل الذي يطالب به الرئيس بوتفليقة للانتهاء من ملف المفقودين قبل نهاية مارس - آذار 2005 ضغوط خارجية وعلى رأسها الضغوط الأمريكية التي سبق لإدارة واشنطن أن أرسلت إشارات لضرورة إيجاد حل نهائي لملف المفقودين عبر زيارة مسئوليها إلى الجزائر وعلى رأسهم كولين باول ووليام بيرنز. وتجد هذه التحاليل صحتها فيما صرّح به قبل يومين رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وتطوير حقوق الإنسان السيد فاروق قسنطيني في حصة منتدى التلفزيون الأسبوعي عندما اعترف لأول مرة أن استحداث اللجنة الاستشارية جاء بناء على طلب من لجنة حماية حقوق الإنسان بالولايات المتحدةالأمريكية مشيرا أن 70 دولة لها لجان مماثلة استحدثت بطلب أمريكي . ويعد ملف المفقودين شوكة حادة في خاصرة السلطة في الجزائر وحجر عثرة حقيقية أمام موضوع العفو الشامل الذي يريد الرئيس بوتفليقة إقراره للانتهاء من مخلفات العشرية السوداء. ولعل ما يعكس التعقد الفعلي للموضوع رفض كل الجهات الرسمية ذات العلاقة بالملف مسؤولية البث فيه وترديدها كلما كانت المناسبة مواتية لذلك أن حلها النهائي يبقى رهن إرادة سياسية وقرار سياسي هو من اختصاص السلطة العليا في البلاد وعلى رأسها عبدالعزيز بوتفليقة. ولأن الرئيس بوتفليقة يدرك حجم المسؤولية الثقيلة التي يدفع إلى تحملها فإنه هو الآخر ألقى بعبئها إلى الشعب ليستفتيه بشأن قبوله أو رفضه لموضوع العفو الشامل الذي يترتب عنه تنازل كل الأطراف المعنية بمخلفات العشرية الأخيرة بحقها فيما تضررت منه ومنها عائلات المفقودين التي إن قبلت بالعفو فهي بالتالي تقبل بالصفح عن الجهات التي تتهمها بالوقوف وراء اختفاء أو اختطاف ذويها تحقيقا للهدف الذي ينشده بوتفليقة وهو توسيع مجالات العفو الشامل ليمتد إلى كل المخطئين المتورطين في قضايا الإرهاب وجرائم الحق العام بما يعطى للعفو الشامل معناه التصالحي الكامل الذي ينتهي برأب الصدع وتضميد الجراح .