تعد إيران أول دولة ثيوقراطية متكاملة الشروط في التاريخ بعد انهيار النظام الكنسي السلطوي في أوربا القرون الوسطى ، وتدمير نظام طالبان في أفغانستان. يمكن القول إن نظام الولي الفقيه لا يختلف كثيرا عن النظام البابوي. الذي يقرأ الوصف الذي يقوم عليه الولي الفقيه في إيران لا يمكن أن يخطئ التشابه بينه وبين وصف كل رجل دين يتمسك بالذريعة الدينية لإدارة شؤون العباد. كان البابا في العصور الوسطى يرى أنه ظل الله في الأرض وخليفة المسيح. الذي يقرأ المنطق الذي تقوم عليها ولاية الفقية لن يفاجأ عندما يقرأ سيرة الموقف الذي اتخذه نيكلوس الأول( 858-867م) مستندا إلى الوثائق الكاذبة التي ألفها ملكيادس. أقام نيكلوس الأول مطامع منطقية على قضيتين يقبلهما المسيحيون في العصور الوسطى. الأولى أن ابن الله أنشأ الكنيسة بأن جعل بطرس أول رئيس عليها ، وأن أساقفة روما ورثوا سلطات بطرس واحدا بعد واحد في تسلسل متصل ، ثم استنتج من هاتين القضيتين استنتاجا ثالثا وهو أن البابا ممثل الله على ظهر الأرض يجب أن تكون له السيادة العليا والسلطان الأعظم على جميع المسيحيين حكاما كانوا أو محكومين في شؤون الدين والأخلاق والسياسة وكل الشؤون الأخرى. يقول وول ديورانت في موسوعته قصة الحضارة: ( ما كان يرجوه الملوك والرؤساء والأساقفة ألا يحملها( نيكلوس) على محمل الجد أكثر مما يجب) من الواضح أن خامنئي وقبله الخميني حملا هذه المواقف على محمل الجد وهو ما فعله نيكلوس أيضا. قررا مد سلطانهما الديني الشامل على كل شيعة العالم وعلى العالم الإسلامي قاطبة إذا أمكن. فات ملالي إيران أن الديموقراطية لا تتفق مع الثيوقراطية. اللباس العصري سرعان ما يجف ويسقط واقعا في تناقض مع القيم الأساسية التي تقوم عليها فكرة التسلط باسم الدين. لا يمكن أن تملك المرجع الوحيد وحق تفسيره وفي نفس الوقت تترك أمر الرئاسة شورى يصوت عليها الشعب. في لحظة من لحظات التاريخ سيعبر هذه التناقض عن نفسه. المتسابقون الثلاثة على الرئاسة خرجوا من رحم نظام الخميني بل إن تاريخ موسوي وكروبي لا يقل خمينية عن تاريخ نجاد. كلاهما ابن بار لولاية الفقيه ، وتاريخهما مربوط بهذا النظام. ولكن البشر ليسوا آلات تحركها المخاوف الدينية دائما كما هي حال العوام . كلما صعد الإنسان في سلم التدرج الديني تعرف على الحقيقة الزمانية لوضعه وطموحاته لتبدأ معها مصالحه في التبلور سواء في إطار النظام الديني أو من خلال ثورة خفية على هذا النظام. ما يجري في إيران الآن في ظاهره صراع بين المترشحين الثلاثة للرئاسة بينما هو يعبر عن التناقض الصارخ بين المنطق الديني وبين العصر, بين ولاية الفقيه وبين الديموقراطية, بين الدولة الدينية وبين الدولة المدنية. ستكون أضرار انهيار النظام الإيراني هائلة ولكنه الدرس الضروري الذي تحتاجه الشعوب المسلمة على أن الثيوقراطية لا يمكن أن تحكم الناس..