الزائر للأحساء و لأسواقها الشعبية المنتشرة في المدن والقرى سيكتشف تميزها و خصوصيتها و براعتها في خلق الاختلاف بينها و بين بعض الأسواق. من يتجول في هذه الاسواق يشعر و كأنه يقلب صفحات التاريخ ، يندهش من بضاعتها خاصة اذا ما قارنها بما يباع في الاسواق الحديثة والمجمعات المختلفة التي زحفت على المدن . ظلت اسواق الاحساء الاكثر جذبا لزوار المنطقة منذ القدم ، و استمرت - إضافة إلى سوق القيصرية - في تغطية احتياجات سكانها لفترة طويلة،ومازالت تشكل نقطة جذب حتى يومنا هذا، حتى بعد النهضة التي شهدتها المنطقة ، مع نشأة أسواق حديثة وعديدة في المدن ، كما تحتل مكانة رفيعة في نفوس أبناء الأحساء وزوارها. و تتجذر بدايات اسواق الاحساء الشعبية في اعماق التاريخ القديم ، و تعتبر امتدادا لأسواق هجر التاريخية، وهي نقطة التقاء للقوافل القادمة من الغرب والشمال في اتجاه الشرق لتواصل رحلتها التجارية عبر الخليج من خلال السفن التجارية الراسية في ميناء العقير . وتتوحد اسواق الاحساء الشعبية بصورة عامة من خلال منظومة واحدة ومتميزة هي خدمتها لابناء الاحساء وقراها وهجرها العديدة كما تقوم بخدمة ابناء الخليج ايضا والذين يفدون اليها من البحرين وقطر والامارات والكويت ، حيث يتوفر بها العديد من البضائع المختلفة التي لاتتوفر في غيرها من الاسواق ، ففيها المأكولات الشعبية ، والمنتجات اليدوية التي ابدعتها ايدي النساء في قرى الاحساء وهجرها ، وفي هذه الاسواق يجري التعامل بالمفرد و الجملة. وباتت الاحساء تشكل من خلال اسواقها علامة حضارية وسياحية متميزة أهلتها لاحتلال مركز متقدم في المناطق والمحافظات ذات الجذب والاستقطاب السياحي ، لذلك من الطبيعي ان يتردد على المنطقة وعلى الأخص في نهاية كل اسبوع عدد كبير من أبناء الخليج للتسوق. وتجد الباعة يعرضون بضاعتهم تحت المظلات على عرباتهم او على أبسطة ممدودة على الارض ، و تراهم متلاصقين ببعض نظرا لمحدودية المساحة ، وتكون الاسعار بسيطة بل تجد هناك مجالاً لمزيد من الأخذ و الرد. ومن مزايا السوق توفر مختلف الاحتياجات التي قد تتخيلها ، فمن المأكولات تجد التمور و التوابل و الفواكه الموسمية والمأكولات البحرية المجففة مثل الاسماك الصغيرة و حتى الادوية الشعبية . وهنا تستطيع ان تحصل على المنتجات التي ابدعتها أنامل الحرفيين والحرفيات من الصناعات التقليدية كالاحذية الحساوية او الالعاب الخشبية الشعبية او حتى السلال والاقفاص بأسعار معقولة ، كما تجد الملابس و المفروشات و الادوات المنزلية المختلفة. و يقوم البعض بشراء كميات كبيرة من هذه المنتجات وتصديرها لدول الخليج والعالم. وحظيت أسواق الاحساء بنصيبها من التوثيق والتصوير منذ عشرات السنين ، فكانت من اقدم الاسواق بالمملكة التي سجلتها عدسات الرحالة والمستكشفين كفيلبي والاميرة اليكس. كما ذكرت في العديد من الكتب التاريخية التي تؤرخ للمنطقة ، وقد أشار الباحث الامريكي ف. ش. فيدال في كتابه الموسوم "واحة الاحساء" إلى جوانب مختلفة من الأسواق كما تحدث الدكتور عبد الله السبيعي في دراسته القيمة عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية فيها. وحديثاً نجد التلفزيون السعودي و بعض الفضائيات الخليجية قد قاموا بإعداد تقارير عن هذه الأسواق و مكانها في التراث.