لم يدر في ذهني ولو للحظة أن تكون زيارتي لأحد أشهر الأسواق الشعبية شرق الرياض من أجل شراء زيت للشعر أن أخرج وفي رأسي ألف سؤال حول ما وصل إليه الناس من هوس العلاج بالأعشاب ورغبتهم القوية في الحصول على علاج كيفما كان عبر تلك الوصفات والخلطات التي لا يعلم أحد تركيبها ولا مدى صلاحيتها، ومع ذلك تجد لها كثيرا من المقبلين على شرائها. في محلات العطارة التي تعج بالعمالة الأجنبية التي وجدت أكثرها في هذه المهنة الرائجة مصدراً للكسب من دون سابق معرفة أو تخصص أو تدريب، بعد أن جاؤوا من بلادهم بمهن أخرى لا علاقة لها بالعطارة. هنا تجد العمالة الأجنبية من جميع الجنسيات سواء الباكستانية، أو الهندية، أو البنغالية، أو عربية، أصبحوا فجأة أطباء شعبيين وأصحاب محلات للأدوية والخلطات، وشيوخا للمراجعين من الزبائن، يقومون بخلط وطحن الأعشاب ويكيلونها ويعبئونها داخل أكياس أو علب ملونة. ثمة فوضى ضاربة في ذلك السوق، وهي فوضى لا تبدأ من أساليب الغش والخداع في العبارات الدعائية على ملصقات تلك القوارير العجيبة وما فيها من إيحاءات مثيرة حول بعض المناطق الحساسة في جسد المرأة، من شد، وتنحيف، وتكبير، ومفردات لا تتماشى سوى مع ثقافتنا الشعبية السائدة، ولا تنتهي بوصف أثر ذلك المفعول السحري في الخلطات التي تعالج كل شيء من السمنة إلى القولون إلى السكر والصداع وحتى تأخر الحمل. المطلع على حال محلات العطارة يدرك غياب الضوابط، وخلوها التام من أي رقابة صحية من طرف وزارة الصحة لضبط هذه المخالفات التي تقع من قبل أولئك العطارين الأجانب فتسبب ضررا كبيرا في صحة المواطنين البسطاء. لكن يبدو أن هناك وسائل أخرى يقتضيها سوق العمل للتأثير في زوار السوق، تتمثل في إتقان أولئك العاملين للهجة السعودية، ولبس الشماغ السعودي والثوب وإطلاق اللحية للتسلل إلى ثقة المواطن. قال لي احد الباعة: صدقيني يا بنتي أنا لن أبيعك خلطة أي كلام، (فهي إن لم تنفعك لن تضرك!) حين سمعته أول مرة تعجبت من لهجته السعودية إضافة إلى زيه السعودي بالثوب الأبيض، كانت ثقته الزائدة بما يقدمه للناس من أعشاب وخلطات، وحكاياته التي لا تنتهي حول الحالات المستعصية التي تم علاجها على يديه، كجزء من طريقة التسويق والدعاية. غضنفر الباكستاني هو احد هؤلا، يقع محله في بداية سوق العطارة العشوائية حيث تختلط محلات العطارة بمحلات البخور والعطور والبهارات. في ذلك الوسط يشاهد الزائر محلات أشبه بصيدليات عشوائية تبيع أي شيء من أجل المال اغلبها مركبات من أعشاب برية تحوي داخلها سوائل ووصفات لا يعلم تاريخ صلاحيتها ومدى مطابقتها للشروط الصحية إلا الله ثم أصحاب تلك الصيدليات العشوائية.. إن دخلت المحل، كان غضنفر منهمكا في تركيب العديد من الخلطات التي اشتهر بها، وهي وصفات خاصة لكل زبون حسب حالته التي يشخصها من أول نظرة في وجه الزبون، لكن خلطاته تشمل بالإضافة إلى ذلك جميع أنواع العلاج كما هو مدون عليها. ورث غضنفر مهنة العطارة من والده في باكستان وهو بالإضافة إلى صناعة الخلطات لا يترك زبونه إلا بعد أن يخضعه لتأثير حكاياته التي تتميز بخيال واسع يستعرض فيها خبرته على مدى خمس سنوات . فبعد أن ترك مهنة (مندوب مبيعات) عندما جاء أول مرة إلى المملكة، أراد أن يزاول مهنة العطارة التي عرفها بسبب عمله في هذا المجال عبر خبرته الموروثة عن أبيه حسب زعمه. يقول العطار: تعلمت هذه المهنة منذ صغري عن أبي الذي دربني عليها حين عرف موهبتي، وأهلني لكي أكون وريثه في المهنة، أبي كان المعالج الوحيد لأهل قريتنا لسنوات طويلة. بعدها جئت إلى المملكة وعملت سنتين مندوبا لمبيعات بمؤسسة تجارية فأنا خريج بكالوريوس تجارة، لكن الحنين عاودني لهذه المهنة فأحببت أن أتفرغ لها. وعن اساليبه في التأئير عل الزبائن، لابد لمن يمارس مهنة العلاج على أصولها أن يكون مريضه صادق النية؟! كما يجب على المعالج أن يتسلح بالطهارة الروحية والجسدية؟!. لاحظت أن بعض السيدات بقربي يشكين له في همس وخضوع، والبعض الآخر يأتي لأخذ الخلطة المعتادة ويذهبن دون سؤال. سألت (أم فهد) أثناء خروجها من محل العطارة عن حالتها فقالت: (أنا مقتنعة بوصفات العطارين، وبمجرد شعوري بالمرض أذهب إليهم فأجد عندهم الدواء الناجع فأنا نادرا ما أقتنع بأدوية الأطباء)، وحين سألتها عن الخلطة التي في يدها أجابتني: صرت أزور العطارين باستمرار بعد أن وصف لي من قبل خلطة من أعشاب الشيح لعلاج الحصوة، فخففت عني الآلام التي لزمتني لشهور عديدة. مرت (أم خالد) بقربي عند خروجها من المحل برفقة بنتيها، وحين سمعت حديثا يدور بينهن عن الأعشاب، سألتهن عن قناعتهن بوصفات وخلطات العطارين وما إذا كانوا ذوي دراية ومعرفة جيدة بالعلاج؟ فأجابتني إحدى الابنتين: بصراحة لا نعرف مدى السلامة الصحية لوصفاته، فقط الوالدة تعودت أن تشتري منهم الخلطات وحتى بهارات الطعام، لكنها لا تهتم بمسألة تاريخ الصلاحية، وهي مؤمنة بأن الأعشاب إذا لم تنفع لا تضر. ولتلك الخلطات الكثير من الضحايا لعدم خضوعها لأي شروط صحية في إنتاج الدواء، غير أن بعض الضحايا لا يصدقون عدم جدوى تلك الخلطات المنتجة في المعامل العشوائية التي يديرها أمثال غضنفر وغيره من العطارين. السيدة (أم نايف) حين كشفت لها عن هويتي، انتحت بي جانبا وأخبرتني بأنها جربت العديد من خلطات العطارين في محاولات يائسة لعلاجها من مرض السكر ولكن دون جدوى. وقالت لي: منذ زمن وأنا أستبدل الأعشاب والخلطات، ولكن من دون فائدة. وفي كل مرة أسمع من قريباتي ما يقنعني بشراء الوصفة لكن في الأخير أصبحت حالتي الصحية تزداد سوء بسبب تأثير الوصفات المختلفة. أما الشابة (خلود) فما تزال مستمرة في جلسات علاجية شهرية لعلاج وجهها الذي تعرض لتسمم كيميائي من جراء استعمالها خلطة للتبييض أدت إلى تسميم جسدها بعد أن اكتشفت أن بهذه الخلطة مركب الرصاص السام، وتقول خلود: (منذ أكثر من سنة وأنا أتردد على عيادة أحد استشاريي الجلدية من دون انقطاع، بسبب استخدامي لخلطة مبيضة حصلت عليها من إحدى زميلاتي وبعد استعمالها لأسبوعين تعرض وجهي لظهور حبوب مدممة وانتفاخ غريب، اتجهت فورا لأطباء الجلدية الذين كشفوا لي بأن هذه الخلطة بها مركب الرصاص العالي السمية واستدعى خضوعي لمراحل علاجية كلفتني كثيراً). مرت ساعة كاملة وأنا أتجول بين محلات العطارة وأستمع من هؤلاء العمالة إلى مجموعة من الفوائد المزعومة لهذه المركبات، فأجد وصفة لعلاج الشيب، وخلطة أخرى لعلاج قرحة المعدة، لكن كل ذلك لم يقنعني بشراء وصفة زيت الجرجير المخلوطة بزيت جوز الهند من اجل نعومة الشعر.