تذّمر العطار سعيد بن سلطان في سوق الباحة الشعبي من وصف بعض أطباء الفضائيات أدوية عشبية للمشاهدين المصابين ببعض الأمراض، يطلقون عليها مسميات مجهولة بالنسبة إلى أفراد المجتمع في المنطقة؛ ما يُرهقه بكثرة زبائن يسألونه عن وصفات لم يسمع بها من قبل، بل يطالبه بعضهم بتوليف خلطات جديدة على مسمعه، مشيراً إلى أن ذلك الأمر يعطِّل العمل في مهنته، التي لم تعد تُدّر عليه أرباحاً مغرية، إلا أنه ألِف العمل والخروج لمتجره الصغير في ركن سوق الحبوب في مدينة الباحة، ليلتقي أصدقاء العمر ويتبادل معهم الأحاديث اليومية. تجارة المقايضة ويحنّ العم سعيد إلى الزمن الزراعي لمنطقة الباحة، مستعيداً علاقاته الوطيدة مع مزارعين ينتمون لأكثر من مائة قرية، يتعاملون معه بثقة ويوفر لهم بذور الغراس لمزارعهم، فيما يتقايضون معه ب»السنوت» ما يُعرف بالشمر، وبعض الذرة أو الشعير، إضافة إلى تأمينه بعض احتياجات المنازل من قهوة، وهيل، وقرنفل، وزنجبيل، وقرفة، ويانسون، وحبة سوداء، وقسطل، وميرامية، وكركديه، وتستخدم الزيوت الطيارة أو مشتقاتها بكثرة، وما يستخدم للرائحة مثل بعض العطورات والزيوت الطبية كزيت النعناع والبابونج والكزبرة، كونها طاردة للغازات ومهضمة، ومنها ما يستخدم كمطهر مثل الحلتيت والمر وأنواع البهارات، وبعض العطور والأدوية الخاصة بالنساء مثل البخور والجاوي، مؤكداً أنه ينصح باللبان الذكر لعلاج السعال، إذ ينقّع في الماء لفترة يومين ويشرب منه المصاب مرة أو مرتين يومياً. منافسة الصيدليات ويتبرّأ العم سعيد من صرف أية أدوية علاجية كونه غير مختص، وحين سألناه عن حجر جهنم والشبة البيضاء، ادّعى عدم معرفته بهما، مؤكداً أنه لم يقدم لأي من أصدقائه الحميمين من كبار السن أية منشطات جنسية، كونه لا يعرف تركيب مثل هذه الأدوية وبعض الوصفات قد تكون قاتلة أو مؤثرة على الصحة العامة، مرجعاً تناقص أعداد زبائنه إلى وجود الصيدليات، التي وفّرت ما كان يوفره بمواصفات عالمية، لافتاً إلى أن تحولات العصر ساهمت في تغير أساليب الحياة، إذ أصبح للمزارعين متاجر خاصة بهم ولرعاة المواشي، وللوصفات العشبية محلاتها وللأسواق الكبرى والمراكز التجارية حضورها؛ ما زهّد الناس في العطارة والعطارين، عدا بعض المسنين ممن ألفوا التسوق والمرور به صباح كل خميس، فيما أرجع صديقه وجليسه اليومي علي العلوي حضوره مع أصدقاء آخرين للمتجر إلى علاقة صداقة متينة تدفعهم للتواصل شبه اليومي والترويح عن أنفسهم بأحاديث الذكريات واستعادة الماضي. وصفات الجدات و تؤكد السيدة فاطمة محمد استمرار ترددها على محلات العطارة، كون معظم احتياجات السيدات متوفرة عند العطارين، في ظل ما تشهده محلات العطارة من تطوير وتحديث بأساليب علمية ومختبرية، مشيرة إلى أن الجدات والأمهات يوصين بناتهن بعمل وصفات عديدة تستلزم إحضار موادها من محلات العطارة، التي تعتمد أساليب تحديث وتطوير للأعشاب والعطور وفق معايير طبية حتى لا يترتب على بعض الوصفات ضرر. فيما أبدى عبد الله سهيل أسفه من تصديقه شائعات عن قدرات إحدى الشخصيات الفضائية المشهورة بالعلاج عن بعد، وبما أن ابنته تعاني من حساسية شديدة لم يجد بداً من تحويل مبلغ ألف ريال لذلك المعالج؛ كي يرسل له خلطة لم تحقق أية نسبة شفاء. صيدلية قديمة ويرى أمين عام المجلس البلدي في بلجرشي عبدالرحمن الغامدي، أن محلات العطارة مرخصة نظاماً كونها مهنة موغلة في القدم، لافتاً إلى أن علاقة أهالي منطقة الباحة بالعطارين قديمة جداً، كون العطارة صيدلية عصر مضى، ففيها يجد المريض وصفات مجرّبة تحميه من بعض الأمراض وتشفي بإذن الله من بعضها ، مشيراً إلى أن بعض الوصفات من الأعشاب لا تزالت ضمن قائمة استهلاك الأسر مثل الحلبة والثفاء أو حب الرشاد و النانخة والحبة السوداء مع العسل. مجاميع سامة من جهته، حذّر مشرف التوعية ب»صحة الباحة» الدكتور محمد المليجي، من جهل العطارين ب»المجاميع الكيميائية في الأعشاب؛ ما قد يجعل الخلطات العشبية العشوائية خطراً على المستهلك، كون بعض المجاميع الكيميائية سامة، وربما تسبب السرطان أو تليف الكبد أو الفشل الكلوي أو العقم». ولفت المليجي إلى التعارض الكبير بين غالبية العشابين غير المؤهلين علمياً وبين العلم والطب الحديثين، كون العلم يعتمد على البحث والتجريب، فيما العشاب والعطّار يعتمدان على التخمين وردود الأفعال الإيجابية من متعاطي وصفاتهم، محذّراً من استسلام المجتمع لأوهام بعض العشابين من مسترزقي الفضائيات، كونهم يقعون في فخ الاستغلال والنصب تحت مظلة حاجة المريض اليائس إلى الشفاء، مذكّراً بأن الله هو الشافي مع الأخذ بالأسباب الموثقة علمياً وطبياً .