يا فاطري روحي مرواح سيارة مرواح فرت مصندق فيه مرّية تبغى تدور سروق ضاعت اخباره يقصه العرق ما قصه عليميه هكذا سمعت هذين البيتين من الأستاذ عبدالهادي بن صالح العرق المري, وهو متخصص نال درجة الماجستير من جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية وموضوع دراسته قد يبدو غريباً على بعض القراء, ألا وهو (قصاصي الأثر), بالإضافة إلى أنه واحد من البارعين ميدانيا في هذا الحقل, أي تتبع أثر الأقدام والقدرة على تحديد أصحابها. لم أتوصل إلى معرفة قائل البيتين. وعلى أي حال فالمعنى أن الشاعر يستحث راحلته (فاطري) على السرعة مثلما تسرع سيارة من نوع فورد (مصندق: حافلة صغيرة قديمة) تقل رجالا لهم مواصفات خاصة- وهم (المرّيّة: جمع مفردها المرّي)- عندما يتعقبون أثر سارق. والمرّي يكاد يكون اصطلاحا شعبيا يطلق على فئة قصاصي الأثر, ولعل شهرة أفراد من قبيلة آل مرة في هذا المجال وراء هذه التسمية أو الاصطلاح رغم أن المقدرة على تتبع آثار الأقدام وتحديد هوية أصحابها مهارة عُرفت عند آخرين من قبائل أخرى يجمعها غالباً رابط مشترك وهو السكن قديما في مناطق الكثبان الرملية. والشاعر يحدد أحد البارعين في قص الأثر وهو (العرق)، وقد عرفت من الأستاذ عبدالهادي العرق؛ أن المقصود هنا أبوه صالح العرق الذي يعتبر أول قصاص أثر استعانت به - إبان عهد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه - الجهة التي أوكل إليها مهمة حفظ الأمن وعمل معها في تعقب اللصوص ومرتكبي الجرائم. لقائي بالعرق أتى على خلفية رحلة قمت بها إلى الربع الخالي استغرقت مدة أسبوعين. وقد لفت انتباهي في هذا الرجل صفة أراها تميز شخصيته عندما يتحدث عن قص الأثر، إذ يمزج بين ثلاث مقومات هي خبرته الميدانية في مجال تتبع الأثر، والبساطة ، والثقة عندما يشرح معرفا ومبينا المهارات اللازم توافرها في قصاص الأثر مع عدم التهويل بخلاف ما يفعل غيره من أولئك الذين يتصنعون التفرد بمفاتيح أسرار خوارق العادات، وفوق ذلك تتويج الخبرة بالدراسة العلمية. سألته.. لو كان الأثر الذي تتبعه لرجل حافي القدمين وتداخل مع آثار حفاة بنفس الحجم، كيف تستطيع الاستمرار في التتبع؟ روى لي في معرض إجابته قصة قديمة عن رجل من آل مرة ضاعت منه ناقته فتتبع أثرها إلى أن وصل مورد ماء، ثم تبين له أن المورد يتصل بعدة مساقات (مفرد مساق: وهو الدرب الذي تمشي عليه الإبل إذا وردت وصدرت من الماء)، وكان يحتاج إلى تتبع هذه (المساقات) ليعثر على الأثر ويواصل تتبعه، وكان على مورد الماء رجل آخر من قبيلة آل مرة تبرع في مساعدته رغم أنه لا يعرف الناقة لكنه سأله (الناقة من هي عليه؟) ويقصد بالسؤال تحديد الفحل الذي ضرّب أمها (أب الناقة)، فسمى الرجل الفحل وهو معروف ومشهور، ثم تفرق الاثنان، وبعد فترة قصيرة من البحث صوّت المتبرع لصاحب الناقة ليشير إلى أثرها؛ حيث عثر عليه رغم أنه لم يرَ الناقة من قبل، فواصل صاحبها تتبع الأثر إلى أن عثر عليها. طبعا- والحديث للعرق- سوف يعتقد البعض أن في ذلك مبالغة فكيف عرف الثاني الأثر وهو لا يعرف الناقة، وربما يأتي آخر فيقول كيف يعرف قصاص الأثر أصلا الأثر وخفاف الإبل متشابهة جداً، فأقول إن مهارة قصاص الأثر البارع تصل إلى التمييز الدقيق بين أثر خفاف الإبل وأحجامها وشكل استدارتها، أما الثاني (المتبرع) الذي لا يعرف الناقة فقد استعان بخلفيته ومعرفته بإنتاج الفحل من الإبل والتي تكون غالبا سلالة متشابهة. ومن هذه القصة أراد العرق أن يبين أن معرفة الأثر وتتبعه بالنسبة ل(المرّي) البارع أشبه بمقدرة الشخص العادي على التفريق بين وجوه البشر. والسر أن قصاصي الأثر يميزون أقدام البشر فيما بين ثلاث حالات، فهنالك (الأكرف: وهذا وصف للأقدام التي تكون مائلة إلى الداخل، فالقدم اليمنى تكون مائلة قليلا جهة اليسار والقدم اليسرى تكون مائلة جهة اليمين)، وهناك (الأزرح: والمقصود أن تكون القدمان متباعدتين)، وهناك ( الأمد: أي ذو الأقدام المستقيمة)، وهناك ثقل الوزن وعلاقته بعمق الأثر الذي ينطبع على الأرض، وهناك أصحاب العاهات حتى لو كانت محدودة مثل انحراف أصبع عن بقية الأصابع. ثمة أسرار كثيرة كشفها لي العرق تثبت أن الإنسان متى توافرت فيه مزايا شخصية منها الفطنة والذكاء والذاكرة المتقدة والقدرة على التركيز والتعايش مع بيئته الصحراوية فسوف يكتسب في ميدانها مهارات قد تبدو للأشخاص العاديين أنها خوارق للعادات.