التلفاز.. ذلك الصندوق السحري العجيب.. هو أحد أبرز الاختراعات التي توصلت إليها البشرية.. وهو إحدى الوسائل التي قاربت بين الأزمنة والأمكنة.. ولأن الغالبية منا نشأ ووعي منذ نعومة أظفاره على وجود هذا الجهاز في محيطه، لذا فإننا ربما لاندرك أهمية هذا الجهاز.. والأدوار (الخيالية) التي يقوم بها، وهي أمور كانت مستحيلة في العصور السابقة، بل وربما يكون مجرد التفكير بوجوده ضرباً من الجنون. واليوم وبعد أكثر من أربعة عقود على اختراع هذا الجهاز العجيب.. وبعد أن تطور محتواه من مجرد التسلية إلى مقاصد كثيرة ومتشعبة باختلاف وتشعب اهتمامات الناس.. لكني أرى أن التلفاز يمكن أن يكون مرآة مجتمع معين، يعكس عاداته وتقاليده وثقافته. أما الآن دعوني من هذه المقدمة التي ربما لا تروق للبعض.. واسمحوا لي أن أسرد قصة قصيرة أو موقفاً عابراً أرجو ألا يكون مملاً كمقدمتي.. هذا الموقف مر بي قبل مدة، وهو في الحقيقة ما دعاني لكتابة هذه المقالة. حيث كنت في إحدى الدول الغربية، وأثناء استراحتي في أحد الفنادق (المتواضعة) وجدت نفسي أمام التلفاز.. ومع أن درجة إلمامي بلغة ذلك البلد (ولا تقولوا لي الإنجليزية) ليت بذلك القدر الكافي للتواصل والفهم التام.. إلا أني فتحت التلفاز فكان مما استوقفني وأدهشني تلك الدعاية والإعلانات التجارية التي كانت تبث ما بين قناة وأخرى، وإذا كنت قد ذكرت في مقدمتي (المملة) أن جهاز التلفاز يعكس عادات البلد وثقافته فإني أعود وأقول إن هذا الانعكاس هو بشكله العام، وقد وجدت الإعلانات التجارية أكثر دقة في طريقة محاكاة المجتمع والتواصل معه وذلك باستخدام الأساليب التي يحبذها وتجذبه لشراء سلعة معينة. لقد أدهشتني هناك دعاية (سيارة) يتم من خلالها عرض مراحل صناعتها وبيان جودة قطعها وعرض أدائها إلى جانب انخفاض استهلاكها للوقود، وفي دعاية أخرى تظهر فيها نتائج إحدى الشركات ومدى جودة خدماتها من واقع شهادات وإحصاءات رسمية موثوقة.. أما لدينا فلا أظن أنني بحاجة لتوضيح مدى الاستغفال والاستهتار بذائقة المشاهد عندما تصوره جميع الدعايات كالمغفل (المبعزق) لأمواله!! وعلى هذا المثال قس جميع الإعلانات التجارية بأشكالها كافة المقروءة والمسموعة والمشاهدة. وكل عاقل يدرك إلى أي حد وصل ببعض القطاعات التجارية أن تسوق لسلعها أو خدماتها على حساب ذائقته ومشاعره وبطرق ساذجة ومستهترة، فلا بد له من تساؤل: هل وصل المستهلك السعودي إلى درجة من السذاجة والسطحية بأن يتلقى تلك الدعايات التي تبث له بكل أريحية وقبول!! وإذا لم يكن كذلك وهذا ما أرجوه فلماذا ترك الحبل على الغارب لتلك الجهات بأن تخاطب العامة بأي أسلوب وبكل طريقة تحلو لها!! ولماذا لا يكون هناك تنظيم خاص بالدعايات والإعلانات التجاربة؟ وحسب معلوماتي المتواضعة فإن هناك لائحة لتنظيم لوحات الدعاية والإعلان بما فيها اللوحات التي تكون على الحافلات وداخل الملاعب والميادين وعلى قصمان اللاعبين، وقد تضمنت هذه اللائحة تنظيم المسائل النظامية الإجرائية وكيفية استحصال الرسوم وتحديد الجهات الحكومية المسؤولة عنها، وفي فقرة واحدة مقتضبة نصت على وجوب أن تكون تلك الإعلانات متلائمة مع الذوق السليم وأن تكون الصور والكتابات في إطار الآداب الإسلامية وأن تراعي قواعد اللغة العربية الفصحى في نص الإعلان، وهذا النص وإن كان مناسباً ومقيداً لتلك الإعلانات في حدود الذوق العام والشريعة الإسلامية، إلا أن هناك خللاً في تطبيقه وإلزام الجهات المعنية به، كما أن هناك وسائل أخرى لم يتم تنظيمها وتقييدها مع أهميتها وانتشارها كالإعلانات التي تبث من خلال التلفاز والإذاعة.