يعد «خط حديد الحجاز» من المشروعات التاريخية الرائعة التي عاش المسلمون في كل البلدان حلم إنشاؤه، وتابعوا مراحله وقدموا التبرعات والأموال لإنجازه. وعلى الرغم من الصعوبات وضعف الإمكانات قدم هذا الخط الذي يمتد من استانبول بتركيا مرورا بدمشق حتى المدينةالمنورة خدمات جليلة لحجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد الرسول صلي الله عليه وسلم، حيث قام السلطان العثماني عبدالحميد الثاني بإنشائه وامتد العمل به لثماني سنوات متتالية اختصر الرحلة الشاقة للحجاج والمسافرين للاماكن المقدسة التي كانت تستغرق عدة أشهر، حيث كان طريق الحج العراقي يقترب من (1300 كم) وتستغرق الرحلة فيه شهراً كاملاً، أما طريق الحج المصري فيبلغ من سيناء (1540 كم) ويستغرق أربعين يوماً ويزيد خمسة أيام من طريق عيذاب، وطريق الحج الشامي يمتد (1302 كم) وتستغرق الرحلة فيه أربعين يوماً، أما حجاج المناطق النائية من العالم الإسلامي فكانت رحلتهم تستغرق ستة أشهر وأكثر يتعرضون فيها للمخاطر المتعددة من النهب والسلب والعواصف وغيرها، ولكن بعد إنشاء الخط الحديدي الذي بلغ طوله (1320 كم) أصبحت الرحلة مختصرة والكل ينعم بالراحة والأمان داخل القطار. كان إنشاء خطوط السكك الحديدية لربط أجزاء الدولة العثمانية المترامية الأطراف سياسة عليا للسلطان عبدالحميد الثاني، فالشام والحجاز لم يشهدا خطوطا حديدية، إلا في عهده فكان الخط الحديدي من يافا إلى القدس (1306ه - 1888م) أول الخطوط الحديدية في الشام واستهدف السلطان من إنشائه خدمة المسافرين المسيحيين القادمين من أوروبا بحرا إلى يافا وبلغ طول هذا الخط (87 كم)، كذلك تم إنشاء خط حديدي بين دمشق وبيروت بطول (147 كم) كان يقطعها القطار في ست ساعات. بواعث الإنشاء والتمويل تكاد تنحصر أهداف السلطان عبدالحميد في إنشاء الخط الحجازي في هدفين أساسيين مترابطين، أولهما: خدمة الحجاج بإيجاد وسيلة سفر عصرية يتوافر فيها الأمن والسرعة والراحة، أما الهدف الثاني: فهو دعم الجامعة الإسلامية التي كانت تهدف إلى جمع المسلمين وتوحيد صفوفهم خلف الخلافة العثمانية لمواجهة الأطماع الأوروبية في العالم الإسلامي. وقد واجه المشروع صعوبات تمويلية منها ضخامة تكلفته التي قدرت بنحو (3,5 ملايين ليرة عثمانية) والأزمة المالية التي تواجهها الدولة العثمانية، فأراد السلطان عبدالحميد أن يضفي على مشروعة الطابع الإسلامي وان يتم إنشاؤه برأسمال إسلامي من دون اللجوء إلى بيوت المال الأجنبية فوجه نداء إلى العالم الإسلامي للتبرع، حيث لقي هذا النداء استجابة تلقائية من مسلمي العالم وانهالت التبرعات وكان اتساع هذه التبرعات مظهراً عملياً لحركة الجامعة الإسلامية. وتبرع السلطان بمبلغ (320 ألف ليرة) من ماله الخاص، وتبرع شاه إيران بخمسين ألفاً، وخديوي مصر عباس حلمي الثاني بكميات كبيرة من مواد البناء وتألف بسائر الأقطار الإسلامية لجان لجمع التبرعات وأصدرت الدولة العثمانية أوامر بقطع 10% من رواتب موظفي الدولة لمصلحة المشروع، كما تم جمع جلود الأضاحي وبيعها وتحويل أثمانها لميزانية الخط وبذلك انتقلت حماسة إنشاء الخط الحجازي إلى العالم الإسلامي، ولم تقتصر تبرعات وإعانات المسلمين على الفترات التي استغرقها بناء الخط فحسب بل استمر دفعها بعد وصوله إلى المدينةالمنورة أملا في استكمال توصيله لمكة المكرمة. تنفيذ المشروع تم الاحتفال ببدء المشروع في (جمادى الآخرة 1318ه - سبتمبر 1900م) وابتدأ العمل بمنطقة المزيريب من أعمال حواران بالشام، ثم قررت الحكومة العثمانية إيصال الخط الحجازي إلى دمشق لذلك انشأ خط درعا – دمشق، وباشرت العمل من دمشق ومزيريب بوقت واحد وعهدت إلى مهندسين ألمان بإنشاء الخط لكنها لم تسمح إلا للمهندسين المسلمين بالعمل في مد الخط بالمنطقة الواقعة بين العلا والمدينةالمنورة.كان على رأس تلك العقبات نقص المياه بموقع المشروع، ولكن أمكن التغلب على ذلك بحفر آبار وإداراتها بمضخات بخارية أو طواحين هواء وجلبت المياه في صهاريج تسير على أجزاء الخط التي فرغ من مدها، ولمواجهة نقص العمال وتوفير النفقات استخدمت قوات من الجيش العثماني بلغ ستة آلاف جندي ومائتي مهندس كانوا يعملون في الخط بصفة دائمة، وكذلك كانت السيول الجارفة احدي العقبات التي شكلت خطورة كبيرة وحقيقية على الخط الحجازي في مرحلتي البناء والتشغيل لذلك قام المهندسون بإنشاء مصارف للسيول على طول الخط الرئيسي، أما الرمال المتحركة التي تعرض صلابة الخط للخطر وتؤدي إلى انقطاع الحركة بتحرك الخط عن مكانه فأمكن التغلب عليها بتغطية منطقة الرمال المتحركة بطبقة من الصلصال وبني سد حجري ضيق يمتد موازياً للخط الحجازي ليحول دون خطر تغطيته بالرمال المتحركة، أما مشكلة الوقود فتم استيراد الفحم من الخارج وأقيمت مستودعات ضخمة لتخزينه. محطات الخط التابعة لمنطقة المدينة - موقع البريكة على درب الحج، في (وادي وصول) شمال مدينة العلا بنحو (100 كم) . - محطة الدار الحمراء و تقع بمحاذاة البريكة. -محطة المطلع و تقع جنوب شرق محطة دار الحمراء بحوالي (24 كم) - محطة أبو طاقةو تقع جنوب محطة المطلع بنحو (19 كم) . - محطة مبرك الناقة وتقع جنوب محطة أبو طاقة بمسافة (16 كم) . - محطة مدائن صالح وتقع شمال شرق العلا بمسافة (25 كم). - محطة العذيب و تقع جنوب محطة مدائن صالح بمسافة (9 كم). - محطة العلاو تقع بوادي القرى بمدينة العلا. - محطة البدائع و تقع جنوب شرق العلا بمسافة (16 كم) . - محطة زمرد و تقع جنوب شرق سهل المطران بمسافة (20 كم) - محطة هدية وتقع إلى الجنوب الشرقي من محطة المدرج بمسافة (20 كم) - محطة المدينةالمنورة وتسمي (الاستصيون) وهي المحطة النهائية لخط سكة حديد الحجاز واهم المحطات الرئيسية وتشتمل على مجموعة مباني من الحجر الأسود بطول (600م) وعرض (400م) تكلفة المشروع تعد تكاليف الخط الحجازي من أقل تكاليف خطوط السكك الحديدية في الدولة العثمانية على الإطلاق رغم ضخامة وكثرة منشآته فقد بلغ مجموع تكاليفه بما في ذلك القطارات والعربات وسائر المباني على طول الخط حوالي أربعة ملايين و283 ألف ليرة عثمانية. وقد وصل أول قطار إلى المدينةالمنورة في (22 رجب 1326ه/ 23 أغسطس 1908م) وأقيم الاحتفال الرسمي لافتتاح الخط الحديدي بعد ذلك بأسبوع. خدمات الخط أسدى الخط الحجازي خدمات جليلة لحجاج بيت الله الحرام حيث استطاع حجاج الشام والأناضول قطع المسافة من دمشق إلى المدينةالمنورة في خمسة أيام فقط بدلاً من أربعين يوماً، مع العلم أن الوقت الذي كان يستغرقه القطار هو (72 ساعة) فقط أما بقية الأيام الخمسة فكانت تضيع في وقوف القطار في المحطات وتغيير القاطرات، وكذلك حشد الخط عاطفة المسلمين خلف شعار الجامعة الإسلامية وهذا ما دفع السفير البريطاني في استانبول ليؤكد أن عبدالحميد ظهر أمام ثلاثمائة مليون مسلم بمظهر الخليفة والزعيم الروحي للمسلمين حين مد سكة حديد الحجاز، كما ساعد الخط الحجازي في نهضة تجارية واقتصادية لمدن الحجاز وكافة المدن الواقعة على امتداد الخط ومنها مدينة حيفا التي تحولت إلى ميناء ومدينة تجارية هامة، وكذلك المدينةالمنورة، كما ظهرت مجتمعات عمرانية نتيجة استقرار بعض القبائل والتجمعات البدوية على جانبي الخط في بعض الجهات واشتغالهم بالزراعة، ومن مظاهر حركة العمران التي صاحبت إنشاء الخط إضاءة المدينةالمنورة بالكهرباء أول مرة، حيث ابتدأت إنارة الحرم النبوي الشريف يوم افتتاح سكة الحديد وجعل المدينةالمنورة محافظة مستقلة مرتبطة مباشرة بوزارة الداخلية العثمانية. الوضع الحالي للخط كان الخط الحجازي يمر في أراضي الدولة العثمانية وعقب انتهاء الحرب العامية الأولي أصبح يمر في أراضي أربع دول نتيجة لتغير الخريطة السياسية للشرق العربي الآسيوي وتفتيته إلى عدة دول وكيانات سياسية وهي سوريا والأردن وفلسطين والسعودية فسيطرت كل دولة على الجزء الذي يمر في أراضيها وتعددت محاولات إعادة الحياة لهذا الخط الحجازي ومنها عقد مؤتمر في الرياض سنة (1375ه - 1955م) جمع سوريا والأردن والسعودية ولم توضع قراراته موضع التنفيذ، وتوقف العمل بالمشروع وبعد احد عشر عاماً من نسيان المشروع تشكلت لجان وعقدت اجتماعات وصدر مرسوم بتشكيل هيئة عليا للخط الحجازي من وزراء المواصلات في البلدان الثلاثة لكن لم تظهر أي بوادر واقعية لتشغيله فيما يتطلع الجميع لان يعاود الخط نشاطه أو يستفاد من بقاياه بالنسبة لمنطقة تبوكوالمدينةالمنورة كالمباني أو الخطوط الحديدية الممتدة التي تعد من الآثار التاريخية المتميزة التي تشهد على الثقافة الإسلامية القديمة.