مبان وقلاع وعربات قطار قديمة متناثرة على امتداد سكة حديد الحجاز تحكي قصة تاريخ هذا الخط الحديدي الحيوي الذي تأسس ليسهل على الحجاج مشاق السفر إلى الأماكن المقدسة وليقيهم غارات ومخاطر الطرق آنذاك بالإضافة إلى ربط أطراف الدولة العثمانية المترامية الأطراف ببعضها إضافة إلى أهداف أخرى سياسية وعسكرية نستعرضها منذ بدايات هذا الخط الحديد من خلال هذا التقرير. ونعود للبداية في عام 1318ه الموافق 1900م حيث البداية الفعلية لتحقيق هذا المشروع العملاق.وتسلط وكالة الأنباء السعودية من خلال هذا التقرير شمولية المشروع منذ انطلاقته الذي يعد من أكبر منجزات الدولة العثمانية عامة والسلطان عبد الحميد الثاني "1239-1327ه" خاصة وقد صاحب المشروع إقامة كثير من المباني والمنشآت المختلفة لخدمة هذا المشروع من أهمها مبنى محطة السكة الحديد ومباني خدمات المحطة كمبنى سكن مأمور المحطة ومبنى المستودعات ومبنى ورشة الإصلاح ومبنى الخزانات لتزويد القطارات بالمياه ومبنى دورات المياه وإقامة كباري السكة الحديد على مسارات الأودية والشعاب . بدأ السلطان عبد الحميد الثاني العمل في هذا المشروع في شهر سبتمبر سنة 1318ه / 1900 م واستغرق العمل في هذا المشروع زهاء سبع سنوات ووصل أول قطار إلى المدينةالمنورة في اليوم الثالث والعشرين من شهر أغسطس سنة 1326ه - 1908م وبلغت تكاليف المشروع الإجمالية ثلاثة ملايين من الجنيهات الإنجليزية كما بلغت التبرعات حوالي مليون جنيه ويبلغ طول الخط الحديدي من دمشق حتى المدينة حوالي 1320 كيلا وأقيمت على طول هذا الخط محطات يفصل بين كل محطة وأخرى حوالي عشرين كيلومتر وقد شهدت المدينةالمنورة بوصول أول قطار للمدينة نهضة حضارية كبرى ويعد المؤرخون أن هذا الخط يعتبر من مآثر السلطان عبد الحميد الكبيرة إن لم يكن أكبرها . وكانت فكرة إنشاء هذا الخط موجودة قبل السلطان عبد الحميد ولكن المسؤولين العثمانيين لم يتحمسوا له لضخامة التكلفة وصعوبة حمايته بعد تنفيذه وعندما تسلم السلطان عبد الحميد الخلافة تحمس لإنجازه لخدمة حجاج بيت الله الحرام بتوفير وسيلة سفر عصرية وسهلة يتوفر فيها الأمن والآمان وتقوية الصلات بين البلدان الإسلامية المختلفة إضافة إلى الأهداف الاقتصادية والإستراتيجية والحضارية. وكانت تكاليف المشروع تربو على ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف ليرة عثمانية هذه التكاليف الباهظة كانت أولى العقبات أمام إتمام هذا المشروع وحرصاُ من السلطان عبدالحميد الثاني على أن يتم إنشاء المشروع برأس مال إسلامي وجه نداء إلى العالم الإسلامي للتبرع لهذا المشروع ولقي هذا النداء استجابة تلقائية من مسلمي العالم وانهالت التبرعات وقد افتتح السلطان عبدالحميد حملة هذه التبرعات بمبلغ 320 ألف ليرة من ماله الخاص وتبرع شاه إيران بخمسين ألفاً وأرسل خديوي مصر عباس حلمي الثاني كميات كبيرة من مواد البناء وتألفت في سائر الأقطار الإسلامية لجان لجمع التبرعات وأصدرت الدولة العثمانية طوابع دمغات لمصلحة المشروع وأصدر أوامر بقطع عشرة بالمائة من رواتب موظفي الدولة لصالح المشروع وجمعت جلود الأضاحي وبيعت وحولت أثمانها إلى ميزانية الخط حتى أن التبرعات شملت مسلمي الهند وبعض دول آسيا . وصادف المشروع عقبات كثيرة كان على رأسها نقص المياه وأمكن التغلب على ذلك بحفر آبار وإدارتها بمضخات أو طواحين هواء وجلبت المياه في صهاريج تسير على أجزاء الخط التي فرغ منها ولمواجهة نقص العمال وتوفير النفقات استخدمت قوات من الجيش العثماني بلغ عددها زهاء ستة الآف جندي ومائتي مهندس كانوا يعملون في الخط بصفة دائمة كذلك كانت السيول الجارفة إحدى العقبات التي شكلت خطورة كبيرة وحقيقية على الخط الحجازي في مرحلتي البناء والتشغيل لذلك قام المهندسون بإنشاء مصارف للسيول على طول الخط الرئيسي أما الرمال المتحركة التي تعرض سلابة الخط للخطر وتؤدي إلى انقطاع الحركة بتحرك الخط عن مكانه فأمكن التغلب عليها بتغطية منطقة الرمال المتحركة بطبقة من الصلصال وبني سد حجري ضيق يمتد موازياً للخط الحجازي ليحول دون خطر تغطيته بالرمال المتحركة أما مشكلة الوقود فتم استيراد الفحم من الخارج وأقيمت مستودعات ضخمة لتخزينه . ويبلغ طول سكة حديد الحجاز 1320 كم حيث يبدأ في دمشق ويمر بالعديد من المحطات وينتهي بالمدينةالمنورة إضافة إلى العديد من القلاع التي تم بنائها بمسافات متباعدة على امتداد سكة حديد الحجاز لأغراض الحماية والصيانة والتمويل كما تميزت معدلات الإنجاز في إنشاء الخط بارتفاع ملحوظ إذ وصل متوسط معدل الإنجاز السنوي حوالي 182 كيلومتر وهو معدل مرتفع جداً آنذاك مقارنة بمعدلات الإنجاز الأخرى وأستمر العمل في إنشاء السكة من شهر جمادي الآخرة 1318ه الموافق سبتمبر 1900م إلى سنة 1326ه الموافق 1908م . ويحاذي مسار سكة حديد الحجاز "الخط الحجازي" بصفة عامة الطريق القديم الذي كانت تسلكه قوافل الحجاج ولم يحد عنه إلا في بعض المناطق الوعرة حيث تم تخصيص بعض القوات العسكرية لحماية العاملين في المشروع من غارات قطاع الطرق . وتبدأ سكة حديد الحجاز من محطة دمشق وتمر بعدد من المحطات في طريقها ومن أهمها .. الديرة - عمان - جزا - عطرانة القطرانة معان - غدير الحج - بطن الغول - مدوارة المدورة تبوك - الأخضر- المعظم - الدار الحمرا - مدائن صالح الحجر العلا - هدية لتنتهي السكة بمحطة المدينةالمنورة وتم وصول أول قطار إلى المدينة في 22 رجب 1326ه الموافق 23 أغسطس 1908م حيث أقيم الاحتفال الرسمي لافتتاح الخط الحديدي وتم إنارة الحرم النبوي الشريف لأول مرة يوم افتتاح سكة الحديد. واستمرت سكة حديد الحجاز تعمل بين دمشقوالمدينة ما يقرب من تسع سنوات نقلت خلالها الحجاج والتجار وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى ظهرت أهمية الخط وخطورته العسكرية على بريطانيا فعندما تراجعت القوات العثمانية أمام الحملات البريطانية كان الخط الحجازي عاملاً هاماً في ثبات العثمانيين في جنوبي فلسطين نحو عامين في وجه القوات البريطانية المتفوقة وعندما نشبت الثورة العربية بقيادة الشريف حسين واستولت على معظم مدن الحجاز لم تستطع هذه القوات الثائرة السيطرة على المدينة بسبب اتصالها بخط السكة الحديدية ووصول الإمدادات إليها واستطاعت حامية المدينة العثمانية أن تستمر في المقاومة بعد انتهاء الحرب العالمية بشهرين لذلك لجأ الشريف حسن تنفيذاً لمشورة ضابط الاستخبارات البريطاني "لورانس " إلى تخريب الخط ونسف جسوره وانتزاع قضبانه في عدة أجزاء منه وبذلك انتهت قصة سكة حديد الحجاز بكل فصولها الجميلة ولم يتبق منها سوى إطلال السكة والمباني والقلاع التي كانت شاهدة يوما ما على مرور قطار الحجاز فيها. وتوقف القطار عن العمل نتيجة الصراعات وكان ذلك في أواخر عام 1334ه وقد تمت الاستفادة من محطة السكة الحديد اليوم فقد تم تحويلها إلى متحف عام للمدينة جرى افتتاحه عام 1419ه على يد صاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز رحمه الله وكانت أولى خطوات مشروع متحف المدينةالمنورة قد بدأت في العام 1998م وتمثلت في تجهيز جزء من محطة القطار القديمة وتحويلها إلى متحف صغير يضم العديد من الآثار والمقتنيات مثل .. العملات والأحجار المنقوشة والصور الفوتوغرافية .. وقد تلقى المتحف دعماً من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام بإهدائه صورا فوتوغرافية نادرة للمدينة المنورة يعود تاريخها إلى العام 1880م . وهكذا شرع المتحف أبوابه للزائرين ليطلعوا على المقتنيات والآثار ويشاهدوا أيضاً المجسم التخيلي للمشروع الضخم إذ ستكون محطة قطار المدينةالمنورة مقراً ربما لأكبر متحف سعودي فالمخطط العام التخيلي له يبرز أنه عبارة عن مجموعة من المتاحف والحدائق تشمل كل الخدمات والمرافق الصحية التي يحتاجها الزائر مع إيجاد طريقة مواصلات جميلة وفريدة للتنقل داخله وهو عبارة عن قطار يمر على جميع المباني ومراكز الخدمات ومتاحف المشروع الموجودة داخل الموقع وهي مستقاة بذلك من الوظيفة الأساسية للمحطة المشروع الضخم يقودنا للحديث عن تاريخ محطة قطار المدينةالمنورة التي ما تزال آثارها من عربات ومبان باقية شاهداً على تاريخ يبلغ عمره نحو مائة سنة.