اعتادت اللجنة الوطنية للسياحة بمجلس الغرف السعودية والتي يمثل أعضاؤها اللجان السياحية بالغرف التجارية بكافة مدن ومناطق المملكة على عقد اجتماعاتها الدورية بين مدن المملكة المترامية الأطراف، ولعل من أبرز أهدافها اكتشاف مدن لم يعرفوها من قبل، واجتماع اللجنة الذي عقد مؤخراً بمدينة بريدة بمنطقة القصيم بدعوة كريمة من أعضاء اللجنة الأستاذ فهد العييري وبندر السلمان وفهد العضيب، اكتشف خلالها الضيوف من أعضاء اللجنة (أن ليس من سمع كمن رأى) وأن البعض لا يعرف سوى مدن محددة فيما هنالك أماكن ساحرة تنافس إن لم تكن تتفوق على أجمل وأرقى المنتجعات السياحية في العالم. كل ما تتمناه تجده في منطقة القصيم بدءاً بفن التعامل مع الضيوف ومروراً بالهدوء ووسائل الراحة والاستجمام وجمال الطبيعة الريفية بعيداً عن الزحام والضوضاء بالإضافة إلى الرقي والازدهار الملموس في جميع الخدمات ووصولاً إلى الزمن الماضي الجميل من التراث والعادات والتقاليد الأصيلة والقرب الاجتماعي الذي يربط بين أبناء المدينة، والعلم والإبداع والحضارة الفكرية بكل معطياتها. سألت صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة القصيم خلال زيارتنا لسموه، ولماذا هذه المنطقة الرائعة بجمال هدوئها وسحر طبيعتها الريفية غائبة عن خارطة السياحة السعودية؟.. جاء هذا السؤال أثناء تفاعل واهتمام سمو الأمير حول ما طرحه أحد المستثمرين لفكرة إنشاء مشروع منتجع ريفي سياحي بالقصيم، فأجابني سموه بابتسامة هادئة وبكلمات تعكس وعي رجل قيادي محنك بالخبرة والفن الإداري إلى أعلى درجاته: أن المسؤولية مشتركة ما بين أصحاب الشأن سواء الجهات الحكومية ذات العلاقة أو رجال الأعمال المستثمرين أو الإعلاميين أو السائحين الذين يرفضون التجديد ولا يكلفون أنفسهم مجرد البحث عن المزيد. لم ينف سمو الأمير التقصير منه ومن المسؤولين عن هيئة السياحة برغم إشادة سموه بجهودها، إلا أنه يتطلع إلى المزيد وخاصة فيما يتعلق بتفعيل السياحة الريفية وبما يواكب أهداف هيئة السياحة التي رسمت استراتيجياتها وفقاً للطبيعة الجغرافية لكل منطقة لتحقق بذلك العديد من الخيارات السياحية وبمختلف أنواعها بعيداً عن السياحة التقليدية. ولكن سمو الأمير فيصل بن بندر وضع الكرة أيضاً في ملعبنا نحن الإعلاميين وله كل الحق فما شاهدناه خلال يومين فقط في مدينة بريدة وساعات معدودة في عنيزة، لا يمكن اختصاره في مقال أو تقرير واحد، ولا يحق أن يغيب عن الطرح الإعلامي خاصة من لدن المتخصصين في الإعلام السياحي. بريدة وعنيزة اللتان لم أكن أعرفهما حتى أيام قليلة كون هذه الزيارة تعد الأولى لي ولعديد من الأعضاء، وجدنا سكانها نسيجاً طبيعياً مغزولاً بالطبيعة والبساطة والأصالة والعلم والفكر والتجارة وكرم الضيافة وأيضاً بالوعي والإدراك لأهمية السياحة والمهرجانات بما تمثله كمصدر للرزق والخير للجميع. تضمن البرنامج زيارة مهرجان الكليجا والأسر المنتجة، وقد لمست عن قرب الحميمية والتواصل الاجتماعي بين الأسر والحرص على التكاتف والتكافل فيما بينهم.. مهرجان مكتظ بالأسر رجال ونساء وكأنهم عائلة واحدة انتقلوا من الكليجا من داخل منازلهم إلى الواقع الخارجي خلال مهرجان يحضره الآلاف من الزوار، وبكل عزة وثقة وفخر وذلك سعياً للحفاظ على تراث هذه المنطقة ومنها المأكولات الشعبية التي لا تغيب عن ذاكرة أبناء القصيم والكليجا واحدة من أهمها التي تجاوزت شهرتها النطاق المحلي إلى العالمي وأصبحت صناعة استثمارية تسهم في تعدد مصادر الدخل وتحسين المستوى المعيشي لدى البعض من الأسر التي تسعى للحفاظ على هذه الصناعة بكل حماس تحت شعار (الكليجا زاد الأجداد واستثمار الأحفاد) فلا غرو أن تصبح أولئك النساء عاملات ومنتجات ويحققن المكاسب المادية التي تتجاوز في الشهر 30 ألف ريال والتي تضمن لهن ولأبنائهن العيش والرغد دون السؤال. إنهم يتعاملون مع الزوار والسياح وكأنه (هدية) قادمة من مزارعهم التي يعشقونها ويشاركونها أفراحهم وأحزانهم.. وفي كل أرجاء المحافظة نجد البشاشة والروح الطيبة لذا فالزائر لا يشعر إطلاقاً بأنه غريب بل كأنه (واحد منهم وفيهم). حتى بحيرة العوشيزية غير الواقعة بعنيزة والممتدة على مساحة 14 كيلوا بعرض 4 كيلومترات مياهها صافية تغازلها أشعة الشمس الساطعة وكأنها لوحة تشكيلية مرسومة بريشة فنان مبدع ولون الرمال تحتضن البحيرة وكأنها حبات الذهب المنثور. * رئيس تحرير مجلة سواح - عضو لجنة السياحة الوطنية