قرأتُ عن قرية فى شمال أوربا ( اسكندنافية ) أنهم أعلنوا السجن الوحيد فى بلدتهم للإيجار ، لأنه مضى مدة دون أن يُساق إليه أحد . وقيل عن تلك إحصائية طريفة . ثلاثة ضّباط فقط يديرون مركز الشرطة بالتناوب اليومى . ثمانية أفراد فقط للمناوبة اليومية أيضا . سيارة واحدة ، وأخرى احتياط . وهكذا يُدار الجانب الأمني ، ولا يرى الأهالى داعيا لزيادة تكلّف المجلس البلدي ، ودافعي الضرائب . وبأمّ عينى رأيتُ رسم عين إنسان على معظم أبواب البيوت فى بلدة فى إنجلترا . ولما سألت عن تلك العلامة قيل لى إنها " جمعية التعاون الأمنى " ضد السرقة واقتحام المنازل . فالعلامة توحي لأي غريب بأن الجار أو المارّ لديه الصلاحية والحق فى سؤال الغريب عن من هو وما ذا يريد وعن من يبحث ، وربما طلب ( الجار ) من الغريب إظهار مايُثبت إذا كان تابعا لشركة مبيعات أو إمدادات أوصيانة . أما من ناحية الحس الأمنى لدى الجار , فأزعم أننا فى المملكة العربية السعودية كنّا فيما مضىسبّاقين إلى تلك الممارسة النبيلة . فالغريب فى الحارة والجوار كان يحتار فى أمره إذا رأى من يلاحظه أو يسأله أو يمشى خلفه . وربما سأله السؤال التقليدى : تدوّر أحد يا أخ ؟ وهو سؤال بريء لا يُضمر الاتهام ، لكنه يوقظ لدى الغريب أو الدائر حول المنزل فزعا من أن وجهه أصبح معروفا ، وأن أية سرقة أو حادثة فى الموقع سوف تجعله أحد المشبوهين . إلى جانب هذا كله كان الجوار فى مدننا وقرانا فى السابق لديه شيء يُقارب سلطة القبض . وهذا – أظن الغرب أخذه منّا - سمّاه : CITIZEN'S ARREST أى حق المواطن فى إلقاء القبض على مرتكب الجرم الواضح للعيان . فكان الناس عندنا يسوقون الفاعل إلى دار "الأمير" حسب نوع الفعل . فالبعض منهم يُساق وقد رُبطت يداه . ( يقولون عنه ( مكتّف ) والأمير يحوله إلى " الشيخ " القاضى , ويصدر الحكم عليه فى ذات اليوم . سلطة المواطن بإجراء القبض موجودة فى القوانين الأوربية , لكنها تبدو مغيّبة الآن , لأن المواطن أو الجار لديه من المشاغل ما يكفى , ويخشى من تكرار الحضور والتحقيقات . ونتفق أن مشاغل الإنسان وعدم استعداده لحشر نفسه فى مساءلات جعلت مرتكبي السرقات وإزعاج الآمنين يتمادون آمنين . وانعدمت حاسة الجوار عند الكثير .