خطف «الديوان الأخير» للشاعر محمود درويش (لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي) الأضواء في الصحافة اللبنانية والعربية لا لأنه الكلمات الشعرية الأخيرة للشاعر، بل للأخطاء العروضية وغير العروضية التي تخللت الكثير من أبياته أو تفعيلاته. فقد تحدث عن هذه الأخطاء شعراء كثيرون متمرسون بالشعر وخبراء بالقوانين الشعرية العربية المعروفة، منهم الشاعران اللبنانيان محمد علي شمس الدين وشوقي بزيع. وفي المقالات التي صدرت للشاعرين حول هذا الموضوع يتبين بما لا يقبل الشك أن هناك أخطاء عروضية أكيدة في ديوان محمود درويش الأخير كما طُبع وصدر عن دار رياض نجيب الريس في بيروت. ولكن هذا لا يعني، بنظر هذين الشاعرين، ان محمود درويش كان يخطئ في الوزن، وانه لم يكن مستكملاً لمثل هذه الأداة الشعرية، وإنما يعني أن خللاً ما قد حصل وأدى إلى ما أدى إليه. فقد تكون هذه القصائد قد ظهرت دون أن يضع عليها الشاعر لمساته الأخيرة. وقد يكون من أعد القصائد للنشر قد قصر أو أهمل. ولكن محمود درويش كان بلا شك شاعراً كبيراً عارفاً بكل أسرار الايقاع، «بل كان مهووساً بالايقاع» على حد تعبير شوقي بزيع. ولكن أمراً طرأ فيما بعد تمثل في مقال نشرته الناقدة ديمة الشكر في جريدة «الحياة» أشارت فيه إلى «النسخة الأصلية» لديوان درويش التي اطلعت عليها، وإلى أن هذه النسخة الأصلية لا يشوبها أي خطأ عروضي. وفي مقالها هذا تفند ما ورد في مقال بزيع وتنفي ما ورد لجهة الأخطاء العروضية. بعد ذلك ثارت ثائرة الناشر رياض الريس الذي حاول من البداية الاطلاع على هذه «النسخة الأصلية ليعتمدها في عملية الطباعة فحيل بينه وبينها. فقد رفض الياس خوري (روائي لبناني) الذي أنيط به إعداد وتحرير وتبويب «الديوان الأخير» تزويد الناشر بها، أي بخط الشاعر لقصائده، كما جرت العادة في كل ما نشره للشاعر من أعمال سابقة. وعلى رغم الحاح الناشر على مدى خمسة أشهر على «لجنة أصدقاء» درويش التي كلفت خوري بهذه المهمة، الحصول على هذه النسخة الأصلية، فقد باءت محاولاته، كما ذكر لنا بالفشل. أما ما اعتمده الناشر لإصدار هذه الأعمال الشعرية الأخيرة لمحمود درويش، فهو «النسخة الالكترونية» للقصائد التي زوده بها المحامي الفلسطيني جواد بولس بصفته وكيلاً عن ورثة الشاعر، بعد أن سلمه نسخة مطبوعة كتب عليها بخط يده وتوقيعه: «هام جداً، يعتمد النص المرسل بالإيميل لأنه معدل بعد دراسة ونقاش»، معتبراً إياها النسخة الأصلية. ينكر رياض نجيب الريس وجود أي خطأ لغوي أو طباعي أو ما شابه ذلك في الديوان الذي صدر عن داره. لقد التزم تنفيذ ما ورد في «النسخة المعتمدة» التي اعدها الياس خوري والتي يروي حكايتها البوليسية في الكتيب الذي وزع مع الديوان تحت عنوان «محمود درويش وحكاية الديوان الأخير» بطلب من محامي ورثة الشاعر الراحل، بعد أن حكى بالتفصيل الممل طريقة العثور على القصائد وكيفية تعديلها وتنقيحها وتبويبها. ويقول الريس ان تدخله كناشر انحصر في أمر واحد هو إصراره على رفض حكاية الياس خوري وعدم دمجها مع الديوان ووضعها في مقدمته كما طلب منه خوري مراراً وتكراراً. فالشاعر الذي لم يسبق ان قدم أحد لأي من دواوينه لا يحتاج، بنظره، إلى من يتسلق على تركته الأدبية. وبالفعل فإن «حكاية خوري» صدرت لا في داخل صفحات الديوان، بل في كتيب على حدة وزع مع الديوان كتسوية بعد موافقة محامي ورثة درويش ومعد الكتيب الياس خوري. ويتساءل رياض نجيب الريس عمن أعطى السيدة ديمة الشكر النسخة الأصلية من الديوان، ومن أين اقتسمها، وبأي حق وبأي صفة؟ وهي النسخة «التي لم تعط لنا أو تصلنا والتي لو كانت وصلتنا لما وقع ما وقع في الديوان من أخطاء. فمن صادر محمود درويش بعد رحيله، وماذا استفاد من لعبة التسلق هذه»؟ دار رياض نجيب الريس قررت إصدار الأعمال الشعرية الأخيرة لمحمود درويش في طبعة جديدة بعد إعادة النظر في نصوصه بناء على خبرتها في كتابات الشاعر وملاحظات الشعراء والنقاد، من دون الكتيب الذي أعده الياس خوري والذي سقط حكماً بسبب هذه الأخطاء ولم يكن له مبرر أصلاً. وتدرس الدار الناشرة الآن امكانية المساءلة القانونية تجاه الخسائر المعنوية والمادية التي تعرضت لها سمعتها المهنية إلى جانب الإساءة إلى تراث الشاعر. الياس خوري يرفض من جهته رفضاً قاطعاً أن يكون هناك أي خطأ في القصائد. فهو يقول: «لم اسمح لنفسي بالتدخل في النصوص إلا حين وضع الشاعر الراحل اشارات واضحة، وهي حالات نادرة كذلك ليس هناك أي خطأ عروضي على الاطلاق في الديوان» ومع احترامي للجميع واقتناعي بأن بعض الملاحظات كتب بنية حسنة، وأشارت إلى بعض الأخطاء المطبعية، فإنني لا اعتقد ان محمود درويش بحاجة إلى تلقي دروس في العروض من أحد.