انطلقت أمس الاثنين أعمال القمة العربية الحادية والعشرين التي تستضيفها الدوحة بحضور 17 رئيس دولة عربية بينهم الرئيس السوداني عمر البشير الملاحق بموجب مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. وأعلن الرئيس السوري بشار الأسد افتتاح القمة. وسلمت سوريا رئاسة القمة العربية إلى قطر في أعقاب سنة شهدت تصاعد الانقسامات العربية خصوصاً على وقع الحرب الاسرائيلية في غزة. وقال أمير قطر في كلمته الافتتاحية لأعمال القمة والتي ركزت على الازمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها على المنطقة العربية : :إننا في وطن عربي يحاول جهده أن يكون ساحة مفتوحة لحوار حر لا شرط عليه ولا قيد ، قابل للخطأ والصواب بمسؤولية المشاركين فيه". ورحب بالقادة العرب قائلا : نحن في وقت يتطلب رأيكم وقراركم ، وتنتظر الأمة رجاحة عقلكم وحكمتكم ، في ظروف تتحشد فيها دواعي الاضطراب والقلق". وتابع : إنه لو لم يكن هذا الاجتماع مقرراً بحكم مبدأ الدورية السنوية للقمم العربية لوجب أن يكون ، وذلك بحكم طوارئ دهمت عالمنا وليس بلادنا وحدها ، وكانت نتائجها ما نراه جميعاً ونشعر بوطأته من تقلبات ومشاكل وأزمات في كل النواحي وعلى كافة المستويات ، وما يزيد من خطورتها أنها تزاحمت ، وألقت بأثقالها في نفس اللحظة ، وتفاعلت ظواهرها وتداخلت ، وتجمعت بآثارها وتعقدت ، بحيث بدا أن حجمها أكبر من طاقة الجهات المكلفة بالتصدي لها". وقال : إنه إذا كانت الأزمة المالية الاقتصادية التي تعرض لها العالم ولا يزال يتعرض لها هي المشهد اللافت للأنظار ، فإن هذه العاصفة لم تؤثر فقط على موارد العالم العربي وعلى مدخراته، لكنها كشفت عن هشاشة خطرة أصابت النظم التي كان العالم يعتمد عليها في ضبط أوضاعه والحفاظ على توازنه". وأكد أن آثار الأزمة في الثقة أصابت العالم العربي أكثر من غيره ، فهو بموقعه وموارده ، وهو بقضاياه ومشاكله ، وهو بالسابق واللاحق من أحواله ، موجود في مهب الرياح وفي بؤرة العاصفة ،موضحا ان أخطر ما في أزمة الثقة أنها تخلق أجواءً يصعب فيها التأكد من مواقع القوى ومن مقاصد السياسات ، ومن سلامة التقديرات ، ومن حساب الاحتمالات. وأضاف : أن الظاهر أمامنا أن ما قبلناه لأزمنة طويلة أمور مسلم بها يحتاج إلى مراجعة وأن سياسات اعتمدناها وسعينا لها تحتاج إلى مراجعة، وأن مناهج وأساليب اعتدناها تحتاج إلى مراجعة أيضا وبمسؤولية كاملة فإننا نقول: إننا نحتاج إلى مراجعة وليس تراجعاً". وقال:إننا مع اهتزاز النظام المالي العالمي نجد أنفسنا أمام معضلة حادة ومحسوسة في كل بلد ، ولدى كل فرد ، ومع ذلك فقد وقف أكبر خبراء العالم أمام الأزمة المالية والاقتصادية في حالة ذهول وعجز، فلا هم توقعوها ولا توصلوا إلى أسبابها ، ولا شخصوا المطلوب بدقة في علاجها ، وهذا يعني أن ما جرى من تغيرات الأفكار والعلوم والتكنولوجيا لا يزال يحتاج إلى درس أعمق ، وإلى رصد للأسباب أدق ، وإلى مراجعة واسعة النطاق وشاملة ، وهذه مراجعة لا بد للعرب أن يشاركوا فيها مع العالم ". وأشاد أمير قطر بالمبادرة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في قمة الكويت من أجل المصالحة العربية والتي عبرت عن مدى حرصه على لم الشمل وتحقيق التضامن العربي وتجاوز أي اختلاف في الرأي بين دولنا الذي يبقى في النهاية حول الوسيلة وليس الهدف ، فهدفنا جميعاً واحد، هو مصلحة شعوبنا وأمتنا ورفعة شأنها. وعبر عن اعتزازه والجميع بمشاركة خادم الحرمين الشريفين ممثلاً للمملكة العربية السعودية في قمة العشرين الاقتصادية في لندن ، معربا عن ثقته بأن الملك عبدالله يمثل القادة العرب جميعاً في هذه المهمة وسيمثل مصالح أمتنا وعالمنا العربي ، وحتى الدول النامية المتضررة وطموحها بعلاقة أكثر توازناً مع الدول الصناعية المتقدمة. وتوجه فى الختام بحديثه إلى القادة العرب قائلا: إن الأمة تتطلع إليكم ، ومجتمع الدول ينتظر إسهامكم ، فمع أهمية المصالحات الجارية ومع ضرورة عودة الود في العلاقات ، أصبح المطلوب منا التوافق والتعاون في الأفكار والأهداف والوسائل بيننا ، وبيننا وبين العالم بأسره". ومن جانبه ، أكد الرئيس السوري بشار الأسد ، في كلمته ،أن المصالحات هي الموضوع الأهم في هذه المرحلة بالنسبة للدول العربية، مشيرا إلى أن وجود اختلافات عربية أمر طبيعي، لكن المشكلة تكمن دائما في إدارتها . وأضاف الأسد :أن التضامن العربي لا يعني التطابق العربي، بل يعني التكامل العربي، وهو ليس عملية استنساخ للمواقف العربية ولكن التنسيق بينها"، مؤكدا أن المصالحات العربية هي الموضوع الأهم في هذه المرحلة .ومن جانبه ، أعرب الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي عن أمله فى أن تكون قمة الدوحة "فاتحة صلح ووئام ومنطلق تضامن وتفاهم وسلام بين العرب" ، وأن يتجدر فى إطارها توافق عربى فى مواجهة تطورات دولية وإقليمية لا تخفى حساسيتها ومخاطرها. وأعرب عن تقديره لرئاسة الرئيس السورى بشار الأسد للقمة السابقة التى أنجزت مهمتها وانطلقت خلالها مسيرة المصالحة العربية والفلسطينية ، وهبت نسمات من التوافق والهدوء على العلاقات العربية. وحيا موسى مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لإعادة الأمور إلى نصابها داخل البيت العربى ، وكذلك جهود الرئيس حسنى مبارك لإعادة الأمور إلى نصابها داخل البيت الفلسطينى ، وإلى المساعى المقدرة لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد رئيس القمة التنموية والاقتصادية والاجتماعية فى لم الشمل وجمع الكلمة. ورحب بالرئيس الصومالى الشيخ شريف شيخ أحمد لحضوره الأول للقمة العربية ، متمنيا له ولبلاده الشقيقة كل التوفيق فى إعادة بناء الدولة. وقال موسى : "إننا نجتمع فى أحد المفاصل الدقيقة التى يمر بها العالم العربى والمنطقة على اتساعها ، إذ لم تعد التحديات تقتصر على مشاكل سياسية أو أمنية فقط ، وإنما أصبحت مشاكل المال والاقتصاد وتأثير الأزمة المالية المتعلقة بهما تدق بشدة على أبواب الجميع ، ولكن الأهم والأخطر هو ذلك التحدي الذى فرضته سياسات عالمية كانت شديدة المحافظة والحدة". وأضاف: "لقد آن الآوان أن نوقف أو أن تتوقف الأصابع الأجنبية عن عبثها غير المسئول فى الفضاء العربى وتجاهلها للمصالح والقضايا العربية المشروعة". وقال موسى : " إن هناك أسباب وجيهة لأن نحذر من سياسات خارجية عانينا كثيرا من تدخلاتها ، ولكن يجب علينا أن نحذر أيضا من الأسباب النابعة من مجتمعاتنا ومن بعض سياساتنا وممارساتنا ، والتى تعتبر هى الأخرى من أسباب تراجع اسهامنا فى المسيرة العالمية المعاصرة". وأضاف موسى : أنه هنا يكمن التحدى الذى يتطلب أن نرتفع إلى مستواه ، بل أن نتفوق عليه باثبات وجودنا الإيجابى وتطوير اسهاماتنا فى الحياة الإقليمية والدولية وبأن نقبل تحدى أن نكون أو لا نكون بأن نحقق التقدم والتطور نحو أن نكون جزءا من العصر بل وضمن رواده". وأردف الأمين العام قائلا : " إن الآلية العربية تحركت لتدفع نحو التحديث والإصلاح وتقدم وثائق قمة تونس عام 2004 ، وفى ذلك دليل على وعى عربى متزايد بأن علينا فعل الكثير وإن كان أمامنا طريق طويل ، ولكن أن نعترف بالقصور شىء ، وأن نجلد أنفسنا شىء آخر". وقال موسى : "فى صدد ما أقدمنا عليه كدليل على صحوة لا أقول إنها صحوة كبرى وإنما خطوة هامة ، أود أن أسرد ايجابيات نسبية منها ، موضوع التطوير والتحديث وقد بدأ بالفعل فى مختلف الدول العربية حتى وإن اعتراه بطء وبعض التردد ، وموضوع التكامل العربى ، وقد قطع النظام العربى الجماعى شوطاً لا بأس به ويمكن أن نشير هنا إلى مراحل التقدم الاقتصادى الذى حققته دول عربية عديدة ، الاتفاق فى قمة الكويت على خطة عمل طموحة وعملية وممكنة فى مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وقد بدأت خطوات التنفيذ فور انتهاء القمة. وقال موسى إن من بين هذه الايجابيات موضوع المصالحة والتوصل إلى توافق عربى ، وإن كان لايزال فى مراحله الأولى ولا نستطيع القول باكتماله أو بثباته إلا أن توجه البوصلة أصبح أكثر وضوحا.وفى مجال النزاع العربى الإسرائيلى ، أشار الأمين العام إلى أن الدول العربية اتفقت على مبادرة سلمية لاتزال مطروحة ، ثم اتفقت فى ضوء امتناع إسرائيل عن التجاوب على أن لا تبقى المبادرة على الطاولة طويلا. وأردف موسى قائلا : لقد اتيحت إمكانيات لتحقيق حركة عربية دبلوماسية فاعلة مثلما تم فى لبنان ، وما يجرى الآن بشأن تحقيق المصالحة الفلسطينية ومثلما حاولنا المساعدة على اتمامه من مصالحة وطنية فى العراق وما شاركنا فيه من إقامة السلام بين شمال السودان وجنوبه وفى دارفور وما حاولناه فى الصومال وفى دعم جزر القمر ، وفى موقفنا الموحد فى دعم استعادة الإمارات العربية لجزرها الثلاث "طنب الكبرى ، والصغرى ، وأبوموسى" وكذلك فى جهودنا بشأن الموقف فى موريتانيا ودعم استقرارها وصيانة تجربتها الديمقراطية". ونوه موسى بأنه عندما رأى العرب أن منظمتهم الإقليمية جامعة الدول العربية، أصبحت جاهزة وقادرة على العمل الإقليمى وعلى تولى الدفاع عن الحقوق والمصالح العربية فى المحافل الدولية لم يتوانوا عن تفعيل اقتراحات إصلاحها ، فأضيفت إلى الميثاق بنود دعمت عمل الجامعة وتصاعدت معدلات تنفيذ القرارات وزيدت الميزانية وزاد الالتزام بالوفاء بها.