تناولت في مقالة سابقة اتجاهات اقتصاديات دول الخليج، وهنا استكمالا لأبرز هذه الاتجاهات، إذ تم الحديث عما يحدث في سوق العقار، وتطوير الكفاءات، والثقة في المستشارين الأجانب، وإعادة التفكير في مصادر الثروات، ومن النقاط الجديرة بالتناول في هذا السياق أنه على رجال الأعمال استثمار المزيد من أصولهم محليا ليس من منطلق وطني بحت، ولكن لأن الاستثمار المحلي يهيئ فرصاً أكثر. وعلى سبيل المثال يتيح إعلان المملكة العربية السعوية عن مشروع إنفاق 1.5 تريليون ريال سعودي على مدى الخمس سنوات القادمة فرصا واسعة لرجال الأعمال. ويجب على الحكومة تسهيل مساهمة الشركات متوسطة الحجم في النشاط الاقتصادي. ويمكن زيادة العائدات إذا تحققت زيادة مستويات الإنتاج، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بتحقيق المزيد من المشاركة في العمل. كما أنه لا توجد وسيلة أفضل من ذلك لجعل رجل الأعمال السعودي يدرك أن الاستثمار في بلاده أفضل من الاستثمار في أي مكان آخر من العالم. وساعدت العولمة على جعل كل المكاسب والمخاطر متساوية دوليا، ولكن يجب ألا يكون ذلك على حساب الحاجة إلى الاستثمار في القطاعات الإنتاجية في اقتصادياتنا. ويجب المضي قدما في تحقيق الشراكة بين القطاع العام والخاص. فالقطاع الخاص الخليجي مدلل، ولا يمكن أن يكون القطاع الخاص في حالة انتظار لما تنفقه الحكومة، ولكن عليه أن يطلع بمسؤولياته في إعادة استثمار ثروته محليا. ومن وسائل تخفيف الضغط على الإنفاق العام في أوقات الشدة، إنشاء أوقاف للمؤسسات العامة في قطاعي التعليم والصحة، مثل وقف جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية والذي يبلغ 10 ملبار دولار أمريكي. ويجب التفكير في أوقات الشدة في طرق تمويل هذه المؤسسات عند عودة الرخاء. وأخيرا مع الصعوبات التي تواجه الشركات الخليجية وحاجتها للسيولة، قد يفكر البعض في اللجوء إلى تحويل الديون إلى أسهم (وبديهي أن يكون ذلك بتخفيض قيمة السهم مقابل الدين)، كطريقة للخروج من المشاكل خاصة مشكلة اللجوء إلى ديون أجنبية، وقد تستبدل المصارف المقرضة للشركات ديونها بأسهم في تلك الشركات بدلا من المطالبة بتسديد ديونها. وسوف يساعد ذلك الشركات على تجنب التخلف عن تسديد ديونها وتقليل حالة الفزع في الساحة الاقتصادية، ويسمح ذلك أيضا للبنوك تنويع أصولها. وتم تطبيق هذا النموذج في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وحقق نجاحا باهرا، وكذلك تم تطبيقه في بعض الأحيان في أجزاء من أمريكا اللاتينية. ويجب كذلك أن تكون إعادة تمويل الديون أحد الخيارات الممكنة. وتستطيع البنوك المركزية في المنطقة أيضا الشروع في شراء ديون البنوك على الشركات التي تملكها الدولة، الأمر الذي يسمح للبنوك ضخ المزيد من السيولة في النظام الاقتصادي. وتحتاج هذه الاقتراحات وغيرها من الاقتراحات الأخرى إلى دراسة دقيقة. فالواقع الاقتصادي صعب، ومواجهة هذا الواقع أفضل من إنكاره.