قلت إن هناك شريحة اجتماعية تسعى لتدمير وإلغاء ثقافتنا الشعبية، وفنوننا الأصيلة، ومصادرة حقنا في الفرح، وممارسة كسر بلادة الأيام، وتراكمات الصدأ الذي قد يشوه حياتنا بفعل أزمات الإنسان العملية والحياتية، وهموم العيش. وهذه حقيقة إذ كان «السامري» متواجداً في أفراحنا، ومناسباتنا الاجتماعية، ورحلاتنا البرية، وتجمعاتنا في النزهات. كما كانت العرضة سحر أعيادنا، ومناسباتنا الوطنية. كان الفضاء الاجتماعي يمارس فرحه بشكل رائع، ويعبر عن تفاعله مع الحياة، والمناسبات بإيقاعات تدخل إلى شغاف القلب، وتنعش الروح، وتتماوج الأجساد معها في نشوة بريئة، وإيحاءات صحراوية تنقلك إلى عالم جميل من سحر الصحراء، ورهافة الحس البشري، وتجعلك تفترش الشيح، والخزامى، والأقحوان في دروب أيامك. كانت الكلمة الجميلة المعبرة والشفافة والمموسقة تتفاعل مع إيقاع السامري، وتمنحك فرصة الحصول على الدهشة وامتلاك الشفافية. لكن هذا كله صار إرثاً في الماضي وأصبح «السامري» أو سواه من الفنون رجساً من عمل الشيطان في نظر البعض.، مع أنه ثقافة، وأصالة، وجذر، وهوية يجب أن نعتز بها ونسجلها سلوكاً وممارسة في حياتنا. ومناسباتنا. وحتى الكلمة الجميلة التي كان يبدعها إنسان الصحراء، ويتماهى بها مع مقتنياته، ووسائل عيشه، وأشجار بيئته كادت أن تتلاشى مع أننا لانزال نعتز، ونردد ونحفظ، وننتشي بكلمات لشاعرات، نعم شاعرات من هذه الصحراء سجلن خلالها وعياً، وقدمن تراكمات ثراء لغة، وعواطف ومشاعر. مثلاً. والقصيدة «سامرية» للشاعرة رسوا المفرجية العوفية. «عديت بالمستقلي من نايفات العداما يا نجمة الصبح يللي سروا عليكِ النشاما واخيل برق يسلي لا راح وسط الظلاما واخيل بدو تحلي ومرتعين الجهاما يا خوي يا عبرة لي منها عيوني سقاما يا ضامر الوسط يللي ما ذاق زاد ولا ما هرجه حديث يسلي ريقه يداوي السقاما مشيه مع السوق سلي يشبه فريخ الحماما» هل هناك أعذب من إيحاءات ثقافة هذه المرأة..؟؟ وهل تغيب عنا نورة الحوشان الرشيدية في رائعتها المعروفة عندما رأت زرع، ومعاويد، وقليب زوجها الذي طلقها..؟؟ أو تغيب عنا الدقيس الجميلية في حكمتها «من لا استشارك لا تبدي له الشور ومن لا يودك نور عينك فراقه» الكلمة إرث، الفنون إرث.. من يقضي على إرثنا..؟؟