ليس المدمنون وحدهم من يعانون ما يسمى بالأعراض الانسحابية التي يفسرها الاختصاصيون على أنها الآلام النفسية الناتجة عن بتر عادة معينة سواء كانت هذه العادة معنوية أو مادية ملموسة؛ بل يكاد لا يسلم أحد من حالات الإدمان تلك.. فمثلاً المدير الذي شاءت الأقدار أن ينزل من مقعد صاحب القرار إلى بساط منفذ القرار؛ من رئيس إلى مرؤوس بعد أن اعتاد على إلقاء الأوامر؛ عليه أن يستعد ويتكيف سريعاً للجلوس في الجهة المقابلة ويبرمج نفسه من جديد وبشكل سريع وفق معايير جديدة .. حتى فنجان القهوة إذا تعكر المزاج بسبب عدم احتسائه في وقت محدد يعني الوقوع تحت "تراسّة" الإدمان ... التعلق بالآخر والتنفس من خلال تلك الرئة الاتكالية .. الحياة بصحبة ذلك الآخر وجعله بوابة الدخول والخروج للعالم هو نوع آخر من الإدمان؛ ما أن تتحطم تلك البوابة حتى تفجر أشد الآلام على الإطلاق؛ لذلك تعاني الأرامل والمطلقات في مجتمعنا من الناحية النفسية ما لا تعانيه شبيهاتهن من نساء العالم بسبب ظروفنا الاجتماعية وموروثاتنا البيئية التي تدعم هذا الاعتماد وتدفع بعجلة الاتكال على ذلك الرجل لتصل بالمرأة عند عتبة أي صدمة بُعد أو فقدان إلى الانهيار .. ولعلني لست أبالغ حين أجزم أن الشيء الوحيد الذي يبعد تلك الفئة من نسائنا عن أن تصبح حطاما..هو الإيمان بالله.. وجه المشكلة الآخر هو صعوبة الخلاص من الطبائع التي غرست مخالبها بقوة داخل جسدك الذي اعتاد أو بالأصح أدمن على شيء معين..صديقك الذي فارقته..وظيفتك التي تركتها..وقهوتك التي اعتزلتها..وبصرف النظر عن كل الآلام النفسية كيف لعينيك أن تعتادا من جديد علىالحياة دون ذلك الصديق وكيف لسلوكك الوظيفي اليومي أن يهجر مقعده وهاتفه وأوراقه التي اعتادها؟ وكيف لأناملك التي لطالما استنشقت معك تلك القهوة أن تتوقف فجأة عن التلذذ بطعم المرارة ؟! الأعراض الانسحابية لأي إدمان مادياً كان أو معنوياً مسألة مؤلمة قاسية لذلك كانت من أصعب المراحل الانتقالية في حياة البشر هي عملية الفطام التي يترتب على التعامل معها بصورة خاطئة متاعب نفسية قد تصل لمرحلة الشيخوخة ..! يا لها من معادلة صعبة وتعايش يعلن تجددا من نوع مزعج يجعل جسدك الواحد ينقسم إلى اثنين كل منهما يسير بعكس اتجاه الآخر !! بإختصار شديد علينا أن لا نعيش أسْرى لأي عادة أو تعود حتى لا نعرض أنفسنا للألم والمعاناة لأنه ببساطة شديدة .... لاشيء حقيقيا ... لا شيء باقيا سوى الله سبحانه