أولاً أبارك لأبي محمد هذا التكريم الذي يستحقه من قائد أمة تكريمه هو تكريم أمة وحيث أنني أمضيت مايزيد على ثمانية عشر عاماً أعمل مع الدكتور عبدالعزيز الخويطر في مكتبه وعن قرب فقد أتيحت لي فرصة معرفة أشياء لا يعرفها إلا القريب منه. هذا الرجل نموذج رائع في إدارته وتعامله وسلوكه وتواضعه يرغمك على العمل معه دون النظر إلى أي مردود مادي أما المعنوي فيغمرك به. من صفات هذا الرجل أنه لا يأمرك بعمل شيء بل يوحي إليك إيحاءً فتعمله عن طيب خاطر لايشعرك بأنه الرئيس المطاع وأنت المرؤوس المطيع، بل الأخ والصديق والمشارك في المسؤولية يدعوك بأفضل الألقاب التي تحبها دون تكلف يصعب عليك التأثير عليه في أي إجراء يمس الآخر بل أن قراره ينبع من قناعه ذاتية يتحمل هو مسؤوليتها، من يعمل معه لا يجرؤ أن يوشي بأحد أو يتحدث عن أحد في غيابه. ثقة ولاة الأمر في هذا الرجل جاءت من أمور كثيرة منها أنني أمضيت 18 عاماً لم أسمع منه كلمة واحدة عن أي موضوع يدرس في اللجنة العامة أو في المجلس وكأنه لا يعرف عن هذه الأمور شيئاًِ، يسافر في رحلات مكوكية وتصدف أن أتصل بعائلته لأعرف عن سبب عدم حضوره لأنه عودنا الحضور قبل الموظفين فتقول لي أم محمد حفظها الله «أخذ شنطته ولم يقل لي أين وجهته». إذا كنت تعمل مع هذا الرجل فلا تنتظر ترقية أو علاوة تفضلك عن الآخرين خارج المكتب ورغماً عن ذلك فنحن سعداء ومحظوظون بالعمل معه لأن من يعمل مع الخويطر يشعر بكرامته وتقديره له وأنه في مدرسة للأخلاق والنزاهة. كانت وزارة المعارف أقل الوزارات استقطاباًِ للمراتب العليا من وزارة المالية رغم العلاقة الحميمة التي يتمتع بها مع وزير المالية آنذاك وفلسفته في هذا الأمر لايعرفها إلا الدكتور عبدالعزيز وحده ورغم شحه في إحداث الوظائف فهو كريم بشكل لا يعرفه إلا القريب منه، كان يكلفني بتوزيع مبلغ كبير من المال كل سنة أوزعه على صغار الموظفين في مكتبه وخارج مكتبه. يحافظ على أموال الدولة أكثر من ماله كان لدينا في المكتب سيارة واحدة «بويك» معدة للضيوف وكان يعطينا المفتاح عند وصول الضيف وبعد ذلك نعيد المفتاح إليه في اليوم التالي من مغادرة الضيف. كان كريماً للفئة الخاصة من الطلاب «المعوقين» ولا يرفض طلباً بالنسبة لتغذيتهم أو انتقالاتهم وفي كل أمورهم. كان شجاعاً في قراراته حينما يرى سلامتها، في يوم من الأيام طلب مني أن أطلب من الإشراف التربوي دراسة كمية الحفظ من القرآن الكريم في المرحلة الابتدائية والمتوسطة والتخفيف على الطلاب والتركيز على الفهم، تحدثت فعلا مع المسؤول عن الإشراف وبعد دراسة دقيقه أعد قرار بتخفيض بعض السور في المنهج والاكتفاء بشرحها للطلاب وتطبيقها عملياً لكن عندما جاء تأشير القرار تراجع المشرفون عن وضع أسمائهم بالموافقة عليه وحاولت معهم وشعرت بالحرج ماذا أقول لمعالي الوزير فدخلت مكتبه ومعي القرار على ورق الحرير الذي كان يستعمل قديماً وقلت له القرار لم يؤشر من أحد لأنهم رفضوا التأشير خوفاً من ردة الفعل، لم يتأخر دقيقة واحدة أخذ القرار ووقعه على مسؤوليته دون أن يؤشر من أي مسؤول آخر، والغريب أنه لم تأت أي ردة فعل لهذا القرار والسر الثقة التي يتمتع بها الدكتور عبدالعزيز الخويطر من الجميع ومعرفة المجتمع بسلامة أهدافه وصلاحه. حب هذا الرجل لوطنه تتعدد صوره، كان حريصاً على سمعة هذا الوطن وما يقال عن أهلها. إذا كان في رحلة خارجية فهو لا ينسى أبدا أن يطلب اخلاء ثلاجات الغرف التي يسكنها الوفد من المشروبات الكحوليه ومرة قلت له: «ليس من بين الوفد من يشرب بل انهم يمرون على غرفنا لصلاة الفجر قال: «أعلم ذلك ولكن بعض العاملين في الفنادق يستغلون فرصة مثل هذه الوفود ويأخذون ما بها من مشروبات كحولية وتقيد لحساب الوفد والمطلع على فواتير الفندق يتهم أعضاء الوفد السعودي بما ليس فيهم وهذا يمكن تجنبه بهذا الاجراء البسيط». كان مجاملاً إلى أبعد الحدود وخاصة عندما يقوم بزيارة لأحدى الدول فإنه لايمكن أن يرفض أو يلغي أي فقرة من فقرات جدول الزيارة التي اختارته الدولة المضيفة. وكنا في زيارة لإحدى الدول العربية وكان في جدول الزيارة فقرة زيارة أحد الجبال المرتفعة بواسطة طائرة هليكوبتر وهذه الفقرة لا تعطى الا للشخصيات المهمة لديهم ولخطورة الرحلة اعتذر بعض أعضاء الوفود بدعوى المرض أو التمارض وكنت أتمنى أن أكون واحدا منهم إلا أن الظروف حتمت على الصبر على هذا الامتحان.كانت رحلة مخيفة بين سلسلة من الجبال التي لا يفصل بينها وبين الطائرة الا أمتار قليلة ولا حاجة لوصف مشاعري في تلك اللحظة، الله لا يعيدها، المهم أننا وصلنا بسلامة الله وبعد العودة للمملكة بأسبوع طالعت خبراً في الجريدة بسقوط طائرة الهليكوبتر في نفس الجبل وكانت تقل وفدا أوروبياً بسبب اصطدامها بسفح الجبل وقد أطلعت أبا محمد على الخبر وكان رده «منيّتهم». أمضى 20 عاماً لم يغير أثاث مكتبه الذي انتقل إليه من الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ - رحمه الله - اللهم إلا سجادة أهداها الدكتور غازي القصيبي من المصنع السعودي حينما افتتح المصنع، وأخشى أن الدكتور غازي رأف بحال المكتب. حاول الأستاذ عبدالرحمن الحمدان مدير عام مكتبه تغيير أثاث المكتب لكنه رفض وقال: «إذا غيرت أثاث مكتبي غيرت أثاث مكاتبكم» ولم نجرؤ أن نطلب ذلك مرة ثانية، والغريب أن منزله العامر يضم أفخر الأثاث وأجمله ما يدل على اختلاف في القرار بين مكتبه ومنزله. هذا ليس كل مالدي عن هذا الكنز الثمين الذي تعلمت منه الكثير وسعدت بصحبته أجمل أيامي حياتي لكن أعرف أنه لا يود أن يقال عنه ما يعرف عنه من أفضال خشية نقصان الأجر الذي يرومه فيما يعمل أو يقول، وللعلم فانني لم أستأذن معاليه فيما قلت ولم آخذ رآيه حسب الأصول وهذه شجاعة مني في تحمل مسؤولية ما قلت اكتسبتها بعد مرحلة التقاعد التي عادة تمنح الانسان الشجاعة التي قد يفتقدها أثناء العمل مع الكبار. وأتمنى له طول العمر مقروناً بالصحة والسعادة.