··في أواخر القرن الهجري الماضي، ذهبت خِلسة إلى القاهرة· لم أخبر أبي رحمه الله، ولم أستشره· وعندما رجعت، ذهبت للسلام عليه في الديرة·ما كان لي أن أخفي عنه تلك الرحلة· قلت له:- كنت في مصر في مصر؟ - أي والله - صدق؟ - أقول لك والله - قل لا إله إلا الله يا ولدي· - لم أكن وحدي - سافرت مع بعض الزملاء· - ليش؟ كان السفر إلى مصر يومها تُهمة قلت له: للعلاج - والرياض؟ أليس فيها علاج؟ كنت قضيت خمس سنوات في الرياض· ما رأيت فيها امرأة إلا أختي· كان السكن الجامعي يومها في المربّع، وكنت كل جمعة أذهب مشياً إلى منفوحة، لكي أرى أختي، التي كانت تُعدّ لي وجبة جنوبية مع زوجها وأولادها· سألني أبي: هل عرف أحد من الجماعة بسفرك إلى مصر؟ - لا لا ، اطمئن· ولن يعلم أحد - دافعت أمي عنّي رحمها الله: مصر أم الدنيا، ولا فيها عيب إذا راح هناك· نهرها أبي: عليك وجه الله أن تسكتي ثم عاد إليّ· ما دمت لم تجد علاجاً في الرياض، لماذا لم تأتِ إلى الديرة؟ - الأصدقاء نصحوني بالعلاج في القاهرة· - حتى أصدقاؤك مرضى؟ - تقريباً· - وما هو مرضك؟ كان لا بد أن أخترع مرضاً يشفي أبي ويليق بالجريمة، قلت له: أصِبت بخلل في الرؤية، أصبحت أرى الشيء مرتين· النار نارين، القلم قلمين، والصديق صديقين وهكذا· ولم أعد أدري أين أضع يدي أو قدمي· - قل لا إله إلا الله· واصلت الحديث عن مرضي لكي يغفر لي إلى أن بكى رحمه الله·وعندما رأيت دموعه انهمرت انهرت وقلت له الحقيقة · قال لماذا لم تخبرني منذ البداية؟ سامحك الله، لكن لا تعد لها ثانية· بعد وفاته· سافرت إلى باريس، ولم أزل، وكأنها حياة من كذب· أحياناً أذكر أحد الأصدقاء وأغني معه· (من يغفر للعاشق عزلته)·