من الملاحظات التي نراها تتكرر كثيرا في أوساط العمل الوظيفي سواء أكان عاما او خاصا ان الموظف الذي تتم إحالته للتقاعد او الذي يتم إعفاؤه لأحد الأسباب المعتادة كالمرض او الشيخوخة او بلوغ السن النظامية او انتفاء بعض شروط بقائه في وظيفته لا يتقبل ذلك القرار مهما كان ذلك القرار مقنعا، وأول ما يفكر فيه أنه ضحية تآمر وحسد من زملائه او رؤسائه؛ لأنه يشعر ان له الحق في أن يبقى في «مركزه» حتى آخر يوم في حياته. ومن الملاحظ ان هذه الظاهرة لا تقتصر على صغار الموظفين بل نجدها بين كبار الموظفين - أيضا - فكثير من المديرين الذين يحالون الى التقاعد لبلوغهم السن النظامية لا يعترفون بتقدمهم بالسن؛ اذ ان الدراسات قد أثبتت ان الإنسان عند تقدمه بالسن يشعر بأنه أصغر من سنه الحقيقي بخمسة عشر عاما على الأقل؛ وبذا فإنه لا يقر بأن تقدمه في السن هو السبب في إحالته على التقاعد او إعفائه من وظيفته. وكذلك فإن كثيراً من الأطباء الجراحين الذين يضعف بصرهم بسبب تقدمهم في السن ويرى المسؤولون عنهم أهمية إحالتهم على التقاعد حفاظا على صحة مرضاهم وللحفاظ على سمعتهم ومكانتهم التي حققوها في مرحلة عطائهم ونشاطهم فإنهم كثيراً ما يتذمرون من ذلك القرار متهمين رؤساءهم بالتآمر عليهن وشعورهم بالحسد ضدهم وان ذلك ما كان وراء إحالتهم للتقاعد او الاعفاء دون وجه حق نتيجة دس بعض زملائهم او وقوفهم وراء ذلك القرار. حتى بعض المذيعين الذين يتقدم بهم السن ويأخذ صوت احدهم بالحشرجة والتردد، او يكتنفهم النسيان والشرود وعدم القدرة على التركيز كما كانوا قبلا فإن احدهم يشن حملة شعواء على رؤسائه ويشن حربا كلامية حامية على بعض زملائه الذين يرى انهم وراء قرار إحالته على التقاعد او الاعفاء. وهذا الامر يتكرر في كثير من المواقع والمواقف وفي كثير من الوظائف. وهذا الأمر - كذلك - لا ينفي صدق بعض الحالات التي تكون ضحية للتواطؤ والغيرة والحسد؛ ولكن الواقع يؤكد انه لا يمكن عزو جميع حالات الاحالة للتقاعد او الاعفاء من الوظائف الى ثقافة المؤامرة؛ لأن هناك أسبابا منطقية وأخرى نظامية وثالثة تقتضيها المصلحة العامة وبكل موضوعية وشفافية تقف وراء اتخاذ تلك القرارات في كثير من الحالات. ومن حق الموظف الذي يحال الى التقاعد او الاعفاء عدم الانتقاص من جهوده التي بذلها في موقعه والاعتراف له بالفضل والتقدير على اجتهاده وخاصة اذا عمل هو أثناء وجوده في الخدمة على ما يضمن له ذلك ولم يعرض نفسه لما هو عكس ذلك إيمانا منه بعظم المسؤولية وأهمية العدل والانصاف في كل قراراته وسلوكياته. وما من شك في أن ثقافة المجتمع هي التي تقف وراء سلوكيات المتقاعدين وممارساتهم من قرارات اعفائهم او إحالتهم للتقاعد، وتجعل بعضهم يتشبثون بوظائفهم رغم ظروفهم الصحية والاجتماعية التي تحتم عليهم الاستمتاع بما بقي لهم من سني حياتهم واستغلالها في أعمال البر والخير والإصلاح بين الناس، والاستئناس بالأبناء والأحفاد وممارسة الرياضة والقراءة والخلود الى الراحة والاستجمام بعيداً عن منغصات الحياة والصراع من أجل المادة. فهل نحن بحاجة الى دورات خاصة لفهم ثقافة التقاعد وقبول مرحلته كمرحلة جديدة من مراحل العطاء والابداع وفهم مرحلة التقاعد على أنها ليست نهاية الحياة بل هي انطلاقة جديدة نحو الابداع ولكن في ميدان واسع جديد!!!. ٭ رئيس قسم الدراسات والبحوث بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية