من الملفت للانتباه في أغلب الحوارات الصحفية للروائيين الجدد في المملكة، وفي كتاباتهم المختلفة في المنتديات الثقافية على شبكة الإنترنت، تكرار نفس النغمة المحتفية بعملهم المكتوب، تلك الدائرة حول محور «التقنية الاستثنائية المستخدمة في روايتي» و«روايتي التي تحرض على التفكير والنقاش» أو «الموضوع الذي يطرق لأول مرة في رواية.. تلك الرواية التي تقرأ بشغف من الغلاف إلى الصفحة الأخيرة» ويتصل أحدهم لينسق نشر روايته على حلقات في صحيفة ما، أو يشكو من «غيرة» النقاد من إنجازه التاريخي الفريد من نوعه وشكله، أو آخرون يتحدثون عن صعوبة تصنيف «نصهم» الذي جاء ملتبساً وعظيماً أكثر مما يجب، وبشكل لا يستطيع استيعابه النقاد والمتلقون! تكررت هذه الثيمة عند الكثير ممن ينشرون شيئاً مكتوباً للمرة الأولى، لتدل على أزمة جيل يعاني من جهل عميق فيما يقبل عليه، يعتقد بأن الكتابة نتاج حروف بلوحة المفاتيح، تصف في ملف «ورد» ثم ترسل إلى دار نشر برفقة ألف دولار، وغالباً أكثر من ألف دولار، لتجد أن بعضهم يصمم غلاف الرواية قبل إتمامها، وآخر يتحدث عن «العنوان الذي أشغلني عن الرواية» الكتابة هنا ليست نتاج تجربة حياة ممتدة، ليست ككتابة غابريال غارسيا ماركيز الذي كتب بعد الأربعين، ولم تأت نتيجة كد وكدح من أجل لقمة العيش لشخص يرتزق من وراء أعماله كدوستويفسكي، أو آخر نتيجة تجربة حياة تستحق التأمل آلاف المرات كسيرة الكاتب اليوناني نيكوس كازنتزاكس مع الأديان والحضارات المختلفة والتي دونها في «تقرير إلى غريكو» ليبدع شخصية ملهمة كشخصية «زوربا» في رواية تحمل ذات الاسم، دارت حولها نصوص ودراسات نقدية وفلسفية، وأفلام سينمائية وقصائد. الكتابة عند هؤلاء الشباب ليست نتاج تجربة، وليست نتاج قراءة معمقة يمكن أن يتوالد عنها إبداع حقيقي، لا يمكن اختصار دافعها، فلها دوافع مختلفة بالتأكيد، منها التطهر وكتابة السيرة الذاتية التي ضخمت عند صاحبها حتى بات يراها كل شيء، رغم أنها في أحسن أحوالها لا تعدو عن كونها سيرة عادية لأي مراهق نزق، ومنها عدم الإطلاع على أي شيء في هذا الفن، الناقد ت.س.إليوت يتحدث في نظريته حول الشعر والإبداع عن الموهبة التي تعطي الانطلاقة الأولى ثم تخبو وترحل بعيداً إذا لم يطلع الكاتب ويدرس بعمق تراث الفن المتخصص فيه، لا هذه القراءة حدثت، ولا نتج العمل عن موهبة حقيقية أو تجربة كافية، بل كل ما حدث أن فضاء الإنترنت خلق جيلا يحتفي بالهتاف، ويزهو بذاته دون أن يعي شيئا عما هو بصدده.