إذا كان هناك من يعتقد أن الشعب في إسرائيل بأغلبيته الساحقة يتطلع إلى سلام عادل مع الشعب الفلسطيني فليفكر ثانية ويضع أمامه خارطة الانتخابات الإسرائيلية التي جرت يوم العاشر من فبراير 2009 فلعل الصورة تتضح أكثر بالنسبة له. فالإسرائيليون لم يصوتوا ضدّ السلام لأن الأحزاب اليهودية لم تبنِ معركتها الانتخابية على هذا الأساس بل إن محورها كان مبنيا على أساس استراتيجية حرب وبناء وتوسيع المزيد من المستعمرات اليهودية على الأراضي الفلسطينية المحتلة وعلى الانتقام من العرب. وربما يكفي أن نشير إلى مقولة انتخابية لرئيس حزب العمل أيهود باراك الذي يعتبره البعض حزبا يساريا أثناء هجومه على منافسه الفاشي أفيكدور ليبرمان قال باراك :"إن ليبرمان لم يقتل فلسطينيا أو عربيا واحدا وليس له خبرة بالسلاح " وهو يعني أنه يجب عدم التصويت له . وبسبب هذا الموقف وبسبب مواقف أخرى مماثلة من جانب حزب العمل دعت صحيفة " هآرتس" الإسرائيلية (12/2/2009 ) إلى أن تقوم وحدة بين حزبي كاديما والعمل ليصبح عدد أعضاء هذا الحزب الواحد في الكنيست 40 عضوا. ولم يفتْ الصحيفة أن تذكر قراءها أيضا بأن المواقف السياسية بين الحزبين متقاربة جدا. ويجب أن لا ننسى نحن أن كاديما هو حزب من إفرازات حزب الليكود . والواقع أن هذا هو وجه إسرائيل الحقيقي بعد أن أسقطت هذه الانتخابات القناع "الحضاري" و "الإنساني" التي كانت إسرائيل تتبجح بهما وتبين أن الجرائم والمذابح التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 وحتى حرب غزة عام 2009 وما جاء بعدها لا تتحمل مسؤوليتها القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية فحسب , بل الأغلبية الساحقة من اليهود في إسرائيل . فنتائج الانتخابات قالت للفلسطينيين وخصوصا لسلطة رام الله وسلطة غزة وللدول العربية " المعتدلة ",إنه لا يوجد شريك إسرائيلي على الرغم من أن هذا الشريك لم يكن موجودا أصلا من قبل ولكن القيادات الفلسطينية والعربية أصرت على وجودها وذلك نتيجة الإحباط المعنوي الذي تعيشه هذه القيادات. فالصورة واضحة الآن : لا يوجد يسار صهيوني ولا يمين صهيوني بل كلهم صهاينة. والصراع بينهم صراع على الكراسي وعلى الحرب ضدّ العرب بشكل عام والفلسطينيين وحزب الله بشكل خاص , في محاولة لإعادة ثقافة الهزيمة إلى قلوب وعقول العرب جميعا . ويبدو أن أمريكا وأوروبا غير مرتاحة لنتائج الانتخابات التي كانت القارتان تنتظرها معتقدة أنه في الإمكان ضمها إلى الخريطة السياسية الجديدة التي يحملها الرئيس الأمريكي باراك أوباما ودعمته أوروبا, التي تنفست الصعداء بعد اختفاء جورج بوش وزمرته من الساحة السياسية المحلية والعالمية . وقد بدأت أمريكا وأوروبا بوضع ضغط على إسرائيل لإقامة " حكومة تجمع وطني " بدون حزب " يسرائيل بيتنو " ( إسرائيل بيتنا ) الذي يتزعمه ليبرمان , على أمل أن تكون هذه الحكومة قابلة" للتليين" . وهذه فكرة غير واقعية لأن قادة هذه الأحزاب وعدوا الذين انتخبوهم بأنهم لن يقدموا تنازلات أساسية للفلسطينيين في مقدمتها إزالة المستعمرات اليهودية وحق العودة الفلسطيني والقدس الموحدة فكيف يمكن لهؤلاء القادة السير ضدّ ما وعدوا به؟إذا فعلوا ذلك فإنهم يقدمون هدية ثمينة على طبق من ذهب لليبرمان في الانتخابات القادمة . فهل هذا يعني أننا قد وصلنا إلى نهاية الطريق ؟ عربيا وفلسطينيا نعم , إلى أن يحدث تحول ما إسرائيلي أو عالمي. وبالنسبة لموقف العالم ؟ هذا يعتمد على مدى إصرار وجدية العالم وفي مقدمته إدارة أوباما في إحلال السلام الحقيقي في منطقة الشرق الأوسط . لقد قال أوباما في مارس الماضي وفي بداية حملته الانتخابية لقادة منظمة "إيباك" الصهيونية في لقاء بينهم في مدينة شيكاغو إنه لن يقبل فلسفة الليكود واليمين الإسرائيلي كي يُعتبر مؤيدا لإسرائيل. لقد قال هذا الكلام في الوقت الذي كان بحاجة إلى الدعم الانتخابي والمادي اليهودي الأمريكي. وهناك من قال إن أوباما كفرّ عن موقفه هذا في الخطاب الذي ألقاه أمام مؤتمر " إيباك " قبل عدة أشهر من الانتخابات. والواقع أن أوباما تحدث في خطابه المذكور عن الثوابت الاستراتيجية للسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل, وهي ثوابت معروفة. ولكنه لم يتراجع عن موقفه بالنسبة لليمين الإسرائيلي والحلول التي يطرحها. فاليوم يواجه أوباما والغرب بشكل عام إسرائيل اليمينية المتطرفة الرافضة للسلام العادل وهذا يعني أن كل المخططات التي تحدث عنها أوباما بالنسبة للشرق الأوسط والقضية الفلسطينية قد انتهت أو على الأقل جُمّدت. الحل لذلك هو إجبار إسرائيل على الخضوع لمطالب الرأي العام العالمي الذي ظهر جليا إبان العدوان الغاشم على غزة. فأمام أوباما أكثر من سابقة من بينها سابقتان علنيتان لرئيسين أمريكيين. الأولى موقف الرئيس الأمريكي السابق إيزنهاور بالنسبة للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 , حيث هدد إسرائيل بعقوبات إذا لم تنسحب من الأراضي المصرية وقطاع غزة التي احتلتها في تلك الحرب . والموقف الثاني هو موقف الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب الذي هدد إسحاق شامير, عدم استعمال الأموال التي ستضمنها أمريكيا لإسرائيل (عشرة بلايين دولار) لبناء أو توسيع مستعمرات يهودية على الأراضي الفلسطينية. وحاول شامير التمرد واستغلال أصدقاء إسرائيل في أمريكيا ضدّ الرئيس بوش, ولكنه فشل. وقد أدى هذا الموقف الأمريكي في حينه إلى سقوط شامير وفوز إسحاق رابين في الانتخابات.