ليس ثمة من جدل إذا ما اعترفنا أن الإعلام في دول الخليج ظل عبر مرحلة زمنية طويلة محملاً بالكثير من الأعباء التي أعاقت تطوره، وقيدت حركته .. أبرزها ما يتعلق بالحرية والمهنية ، حيث إن الكثير من القيود كانت تفرض على العمل الإعلامي وممارسيه ، كذلك كان أغلب العاملين في حقل الإعلام والصحافة بالذات ليسوا من المواطنين وهو ما كان يعد مصدرا للقلق الدائم الذي يستدعي فرض المزيد من القيود.. وكانت الحكومات الخليجية غالبا لا تحمل ثقة أو اعجابا كبيرا بوسائلها الإعلامية المحلية المحدودة الامكانات!! ، أو أنها كانت تود لو بقي حال إعلامها وصحافتها في الإطار المحدود الذي تعمل فيه ، والذي غالبا تتشابه صفحاته ولا يضيف أي جديد او يحمل أي أفكار مختلفة .. والأهم أن لا يتضمن أي نقد يذكر للدولة ورجالها .. وكانت في ذات الوقت تغدق العطاء وتسعى لتأسيس مؤسسات اعلامية خارج الوطن في بلاد عربية أو غربية ، وتقوم بتقريب صحفيين وكتاب الى مجالسها ، لأنهم يرون أن هؤلاء خارج فضاء سيطرتهم ، وأنهم يمارسون مهنة إعلامية حقيقية.. ويمتلكون حرية في النشر والتعبير يجب أن لا تترك دون أي نوع من انواع السيطرة .. نجحوا في تحييد بعضها بوسائل مختلفة والبعض الآخر ظل خارج حدود القدرة على التفاهم. ظلت تلك الاعباء سنوات طويلة عائقا أمام تحرر الإعلام الخليجي من القيود الفكرية والمهنية.. وبدأت محاولات متفرقة في بعض الدول الخليجية للتخلص من تلك القيود .. وانفتحت ثغرة في جدار الصمت المفروض على وسائل الإعلام ، بدأت بالاتجاه الى ضرورة توطين الصحافة ، وتنقيتها من غير المواطينين ( مثلما حدث في السعودية ) ، اضافة الى قيام دول خليجية أخرى بترخية القيود المفروضة على النقد الى حد ما ، وهو ما أدى اليوم الى اتساع الثغرة شيئا فشيئا وتغيرت ملامح الصحافة الخليجية التي أصبحت اليوم علامة مضيئة في واقع الصحافة العربية ، وصار لدينا مدرسة صحفية مهنية خليجية بعد أن استفردت المدرستان المصرية واللبنانية على ساحة الصحافة والاعلام ردحا من الزمن. في السنوات الأخيرة شهد الإعلام الخليجي قفزات كبيرة ومهولة .. وتفوقا بشكل كبير .. وصرنا نفخر بوجود صحف خليجية واسعة الانتشار ومحطات تلفزيونية خليجية مميزة ومؤثرة وهو ما لم نكن نحلم بنصفه سابقا. ليس هذا فحسب .. هناك واقعا آخر أكثر بهجة مما ذكرنا .. أن صحفنا الخليجية صارت تتمتع بحريات كبيرة ، واكثر كثيرا مما كانت عليه من قبل .. بل وتتفوق على بقية الصحف العربية .. ولم يعد هناك الى حد ما قلقا من الرقابة او القيود أو العقوبات .. انطلقت شرارة الحرية والنقد والحوار وتبادل الآراء في وسائل الإعلام الخليجية بشكل موسع .. وهو ما منحها انتشارا وحضورا مميزا في كافة ارجاء الوطن العربي. ويبقى أننا كإعلاميين خليجيين يحدونا امل دائم في أن تستمر مسيرة النجاح والتميز التي قطعنا بها اشواطا كبيرة ، وبذلنا لأجلها جهدا عبر سنوات .. ولا بد من أن تهتم الدول الخليجية ممثلة بوزراء الإعلام بضرورة تدعيم مسيرة الإعلام الخليجي ، وترسيخها بشكل ايجابي مناسب من أجل أن يقوم الاعلام بدوره المطلوب ، وذلك يتم من خلال رفع بعض القيود التي لازالت مفروضة وان كانت قد خفت على حرية التفكير والتعبير ، كما يجب عليهم تدعيم مهنية العاملين في وسائل الاعلام عبر التدريب وتبادل الخبرات ، اضافة الى ضرورة تخفيف القوانين والعقوبات التي تفرض على الاعلاميين كي يستطيعوا أن يمارسوا أدوارهم بشكل جيد بعيدا عن الخوف والتردد. لا شك أن وزراء الإعلام الخليجيين يؤمنون بأن الصحافة والإعلام هما معينهما الأساسي في تحمل أعباء المسؤولية الوزارية ، ومن الضروري للغاية أن يقوموا بتوطيد العلاقات معها وتدعيم مواقفها وعدم اعتبارها منافسا أو خصما مهما بلغت حدة النقد التي تمارسه وسائل الإعلام تلك. يجب على وزراء الإعلام الخليجيين أن يضعوا نصب أعينهم ضرورة تدعيم الاعلاميين والصحفيين العاملين في حقل الاعلام في دولهم ، هذا التدريب والتأهيل بالتأكيد سيعود بالمنفعة الكبيرة على الوزراء والدول .. وسيكونون حققوا انجازا كبيرا في هذا المجال .. خاصة اذا ما علمنا أن مهنة الاعلام بالوطن العربي تتم بشكل عشوائي .. ومن يريد التميز بها يؤهل نفسه بنفسه .. أهدي هذه الرغبة لأحدث وزيرين في الحكومات الخليجية ، الشيخة مي الخليفة وزيرة الثقافة والاعلام في مملكة البحرين ، والسيد عبدالعزيز خوجة وزير الثقافة والاعلام في المملكة العربية السعودية .. ودمتم سالمين. * الأمين العام للملتقى الإعلامي العربي