هناك أسئلة (نعتقد) أننا نملك الإجابة عنها - أو ربما لا نحتاج للإجابة عنا كونها من البدهيات المسلم بها.. ومن هذه الأسئلة العريقة "طبيعة الوقت؟" و"ماهية الزمن؟" و"هل وجودهما مرتبط بقياسهما" أو "هل هما حدث مادي مشترك أم إحساس فردي خاص؟". ... أنا شخصياً لا أعتقد بوجود زمن مادي حقيقي (ينساب إلى الأمام كالنهر) إنما سلسلة أحداث نشعر من خلالها بمرور الوقت وتوالي الزمن.. ودليل هذا أنه فور توقف إحساسنا بوقوع الأحداث (مثلما يحصل حين يغمى علينا أو نتعرض لعملية جراحية) نستيقظ ولدينا شعور غامض بفقد جزء من الزمن.. وفي الحقيقة جميع المخلوقات تشعر بمرور الزمن ليس فقط بسبب إحساسها بتعاقب الأحداث بل وأيضاً بسبب توالي العمليات البيولوجية داخل أجسادها (في حين يكاد يكون الزمن غير موجود بالنسبة لجبال تقف على مفرق التاريخ).. ولو حدث وسجنت إنسانا في كهف مظلم "بحيث لا يرى الليل والنهار أو توالي الفصول الأربعة) لاختل لديه الشعور بالزمن وعاش حياة يحسبها دهراً.. وهذه الحقيقة تذكرنا بقصة أصحاب الكهف الذين قالوا (لبثنا يوما أو بعض يوم) وصاحب الحمار الذي قال (أنّى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم).. وحين يقوم الناس من قبورهم (يوم القيامة) يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة في حين يكون قد مضى عليهم آلاف السنين تحت التراب.. ولأن احساسنا بمرور الزمن شعور داخلي وذاتي من الطبيعي أن يتوقف بالنسبة إلينا حين نموت ونصبح في القبر - وهو ما يفسر قول المصطفى صلى الله عليه وسلم "إذا مات أحدكم قامت قيامته"!! ولأن تشكّل الوقت مرتبط بوقوع وتسلسل الأحداث أفترض الفلاسفة عدم وجود "الزمن" قبل خلق الكون (لأن شيئاً لم يكن موجوداً قبله أو قادراً على الحدوث بذاته).. وهذه الفكرة نسمعها اليوم بثوب جديد حيث يفترض علماء الفيزياء والفلك أن ساعة الزمن بدأت بانفجار الكون من نقطة صغيرة سوداء.. وبعد حدوث هذا الانفجار (حسب نظرية الانفجار العظيم) بدأت الأحداث تتوالى وأصبح لكل مخلوق زمنه المحلي وشعوره الخاص بالوقت - لدرجة قد يبدو الزمن بالنسبة لبعض الحشرات طويلاً ومملاً رغم أنها لم تعش إلا ليوم أو يومين! ... وكل هذا يثبت عدم وجود زمن حقيقي ومادي (ينساب كشريط سينمائي) بل مجرد شعور شخصي بوجود أحداث متتالية تترجم كزمن ينطلق للأمام.. كما يثبت عدم وجود "ماض" حقيقي بل مجرد وقائع منفصلة تحفظها الذاكرة وتجسدها كتب التاريخ، في حين لا يوجد قادم أو مستقبل كون الأحداث لم تتشكل أصلاً!! ... ورغم عدم نيتي التشويش عليك - أكثر - ولكن لاحظ أن حديثنا مايزال قاصراً على كوكب الأرض وعلى شعور مخلوقاته الذاتي بمرور الوقت.. بمعنى أن الزمن الذي نعرفه ونتعامل به (زمن محلي ونسبي) لا ينطبق بالضرورة على كواكب بعيدة أو أرجاء أخرى من الكون... (وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون)..