دخل العام الجديد. ولم ندر أنه قد أتى ربما نتجاهله. نعيش في عزلات كثيرة في السيارة، في الغرف، وفي الجوال، وفي الحواسيب، والآي بود، والجيم بوي، والبلايستيشن. نتكلم في وقت واحد ولا نصغي لبعضنا بعضاً. يهرب بنا الوقت ونمضي. ننسى الأعياد ولا مذاق لها، وننسى أيام ميلادنا رغم أن يومه يمر كل أسبوع ورقمه يمر كل شهر. الذاكرة سراب تبِّدده المدن الكبيرة، والانشغالات الكثيرة، والعزلات المتوالية. هل هي وثنيات التقنية المتعاظمة، وجنون الزمن الهارب من دمائنا. نمضي ولا يبقى إلا الشعر والفن. من الأشياء التي نتركها وراءنا لتذكر لمن سيخلفنا أننا كنا هنا. شعرنا وضقنا وفرحنا ويئسنا وسعدنا..أحببنا ومتنا.. "عام سعيد. عام سعيد.. إني أفضل أن نقول لبعضنا: حُبٌّ سعيد ما أضيق الكلمات حين نقولها كالآخرين.. أنا لا أريد بأن تكون عواطفي منقولة عن أمنيات الآخرين.." استعيرها من قلب سعاد الصباح، وأذكِّر بها الأحباب لأحبابهم.. ربما أذكر أغنية عابرة وضاق زمن تذكرها. إنها أغنية "العام الجديد" لفارس العشق فضل شاكر والغزالة المصرية شيرين حين تتناوب الحنجرتان في رقصة المطر الذي استقبل عامهما يوماً مضى نستذكره كأنه اليوم. كأنه غدا.. "باسم الهوى و العمر والحب الأكيد خلك معي نفرح بكل عامً جديد مهما يكون شايل غرامك بالعيون عنك أنا ما أستغني يا النفس الحنون أحلى الليالي تجمعنا في الفرحة سوا لو في الخيال أحيا معك لحظة هوى" سأذكر أهلي أمي وأبي، أخي وأخواتي والأصدقاء. ربما ينطق الشعر ما لا تصنعه شفة بإيماءة ولا جفن برفة. ربما الوهن ولكنها أصوات الحقيقة يطلقها شعر: أحمد إسكندر سليمان.. "الذين لم تختم شفاههم.. ولم يختموا شفاه الكلام الذين لا وزن لهم، ويعبرون كما دقات القلب الذين يطاردون الحياة، ولا يؤجلون الذين لا أوتاد لهم، ولا يتئدون الذين لم ينتظروا أن ترد ديونهم ولم يعطوا لتوفى: كم هم أحياء وكم أحبهم.." نعم أحبهم وأحبهن أهلي وأصدقاء لا يملك الحمل إلا محبة الطفل البريئة رغم الجروحات واللعنات. يبقى الحب ولا سواه. فهو صلاتنا الخفية والدائمة لروحنا وكينونتنا.. وأعود إلى سعاد الصباح إلى العشاق بأمانيهم.. نهن الصغيرة. الحب هو الذي لا نشعر به إلا حال فقده وغيابه وخسرانه سأتلبس صوت سعاد وأجعله يرن قوياً ليشق برطوبته يباسنا الدائم حيث الشعر ماؤنا وهواؤنا وترابنا ونارنا. إليك أيها البعيد القريب بحنانك وجنونك.. غيابك ويأسي. "يا سيدي: يا أيها المخبوء من عشرين عاماً في الوريد يا من يغطيني بمعطفه إذا سرنا معاً فوق الجليد.. ما دمت لاجئةً لصدرك. ما الذي من هذه الدنيا أريد؟ ما دمت موجوداً معي، فالعام أسعد من سعيد.." تعاودنا العزلة في مشوار لاه، وربما هذا المشوار مرتب له وضروري. ترن الأغنية. الكلمات بسيطة منسولة من شفاهنا ومن ثرثراتنا الدائمة. ننتظرها وربما نحفظها أو نخطفها من محال التسجيلات أو نبحث عنها في مواقع الأغاني. تمر عابرة. لمن نرسلها؟أو من سنتصل عليه لنضع وجه الجوال بسماعة المسجل. قلوبنا تدق نتذكر من نحب، ومن نحبه ربما يفاجئنا بها ربما كلمة بسيطة منه تملأ العروق بالطاقة والفيض. نبتسم لسنا وحدنا وندير صوت العصفورين.. "إنت السنة اللي عشتها بعمري أنا وإنت حياتي كلها.. وإنت الهنا" @ كلمات: عبدالله السيد الهاشمي، والشاعرة مطلع الشمس،لحن: مروان خوري 2006م