انطلاقا من إستراتيجية البنك الأهلي الهادفة إلى دعم الصيرفة الإسلامية وترشيد مسيرتها، نظم البنك مؤخراً ندوة بعنوان "مستقبل العمل المصرفي الإسلامي" حضرها مجموعة من كبارعلماء الفقه الإسلامي والاقتصاديين وخبراء المصرفية الإسلامية من داخل المملكة وخارجها. وأشار عبدالكريم أبو النصر الرئيس التنفيذي للبنك الذي افتتح الندوة إلى أن الهدف من إقامتها هو النظر في مسيرة المصرفية الإسلامية وإستشراف مستقبلها خاصة ما يتعلق بضبط الالتزام الشرعي. وذكر أن عقد هذه الندوة إنما يعكس التوجه الإسلامي في إستراتيجية البنك الأهلى الهادفة إلى التوسع في توفير الأدوات التي تساعد هذه الصناعة على النمو والتطور واستطرد قائلاً إن انعقاد الندوة يتسق مع تزايد اتجاه المصارف نحو العمل المصرفي الإسلامي. من جهته قال عبدالرزاق الخريجي مدير مجموعة تطوير العمل المصرفي الإسلامي إن مسيرة المصرفية الإسلامية في البنك الأهلي مرت بمراحل إلى أن توَّج البنك ذلك بتحويل جميع فروعه إلى المصرفية الإسلامية. كما استعرض المشاركون في الندوة على مدى يومين البحوث التي أعدت لموضوعات الندوة، كما استمعوا إلى المناقشات والتعقيبات على تلك البحوث التي اتسمت بالصراحة والوضوح، واختتم المشاركون الندوة بعدة توصيات أهمها التأكيد على أن هيئة الفتوى والرقابة الشرعية في المؤسسة المالية الإسلامية هي المرجع الوحيد لإصدار الفتاوى والأحكام الشرعية بالنسبة لها، وهي المسئولة عن تنزيل النصوص أو الإجماع على الواقعة المعروضة، وما يصدر عن الهيئة يكون ملزماً للمؤسسة التي هي هيئة لها، وأجمع المشاركون على إن اختلاف الرأي في المسائل الاجتهادية يعتبر من الأمور الطبيعية ولذا فإن على أعضاء الهيئات الشرعية أن يعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه مما لا يتعارض مع النصوص الشرعية أو الإجماع، والتناصح فيما بينهم دون إنتقاد بعضهم بعضاً عبر المنابر العامة. كما اتفقوا على أنه يتعين على الهيئات الشرعية عند إصدار فتاواها أن تأخذ بالاعتبار المبادئ الكلية والمقاصد والمآلات وما صدر عن المجامع الفقهية والمجلس الشرعي لهيئة المراجعة والمحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية وغيرهما من جهات الفتوى الجماعية. وبما أن لتضارب فتاوى الهيئات الشرعية آثاراً سلبية على المستويين المحلي والدولي من حيث إضعاف ثقة المجتمع بالمؤسسات المالية الإسلامية وإضعاف إقبالها على اختيار الصيرفة الإسلامية بديلاً عن الصيرفة التقليدية، لذلك كله فإن الندوة توصي البنك الأهلي بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة بعقد حلقة نقاش لحصر مجالات الخلاف وتحديد آليات للتنسيق بين الهيئات الشرعية. ومع تثمين المشاركين في الندوة للنجاحات التي حققتها المصرفية الإسلامية خلال العقود الماضية، فقد لا حظوا أن المرحلة الماضية إتسمت بمجاراة المصرفية الإسلامية للمصرفية التقليدية، وأن المرحلة المقبلة تتطلب عناية أكبر من الهيئات الشرعية والمؤسسات المالية الإسلامية للعمل على تطوير نموذج المصرف الذي تظهر فيه الهوية الحقيقية للمصرف الإسلامي المستمدة من أسس ومبادئ الاقتصاد الإسلامي، والعمل على تطوير وابتكار منتجات وأدوات مالية جديدة مستمدة من قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية ومراعاة المقاصد الشرعية.والعمل على إيجاد وتطوير مؤشرات إسلامية تستند إلى المبادئ التي يقوم عليها المصرف الإسلامي ولا تكون نسخاً مقلدة للمؤشرات التقليدية.وحيث إن فتاوى الهيئات الشرعية مبنية على النظر في الأصول والقواعد والمقاصد الشرعية وآراء العلماء في المسألة ودراسة الواقع ومآلات الأفعال، فالأصل أنها تبقى مستمرة لا تتغير. كما توصي الندوة هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية والجهات ذات العلاقة بدراسة هذا الموضوع دراسة مفصلة والعمل على إصدار معيار ضبط شرعي له، كما أن على المؤسسات المالية الإسلامية العناية بإيجاد بيئة متكاملة من شأنها ضمان سلامة تطبيق قرارات الهيئة الشرعية على مستوى المؤسسة، وذلك من خلال الاهتمام بتضمين الفتاوى والقرارات الشرعية خطوات وآليات التنفيذ، وإيجاد رقابة شرعية داخلية متخصصة على أن يُوفر لها الاستقلال الكامل والدعم المالي والبشري والتأهيلي الكافي الذي يمكنها من أداء مهامها على الوجه الأكمل، والاهتمام بكفاية أدلة السياسات والإجراءات واشتمالها بشكل ملائم على المتطلبات الشرعية للعمليات والعناية باختيار المؤسسة لعاملين أكفاء مهنياً وشرعياً من خلال إقرار سياسات للموارد البشرية والتدريب، وعلى المهتمين بالصناعة المصرفية الإسلامية القيام بتطويرنموذج للمراجعة الشرعية الخارجية، وذلك من خلال مؤسسات مستقلة تضطلع بمهمة المراجعة الخارجية، على أن تعمل المؤسسات المالية الإسلامية على تمكينها من أداء عملها كما هي الحال في البنوك التقليدية. وتوصي الندوة المؤسسات المالية الإسلامية والهيئات الشرعية بدعم الجهود الساعية إلى تأهيل مجموعات من طلاب العلم الشرعي وحث المؤسسات المالية الإسلامية للعمل على إعدادهم وتأهيلهم للقيام بمهام الهيئات الشرعية.