أطلق السيد بوش حكمة بالغة من حكمه "البوشية" المعتادة، وذلك بعد موقعة "الحذاء" التي اصبحت من أشهر وقائع العصر الحديث.. . حيث قال: - ان ما حدث لهو دليل قاطع وواضح على الحرية، والديمقراطية التي أصبحت تسود العراق، ويتمتع بها الشعب العراقي نتيجة "الاحتلال الأمريكي". صدق السيد بوش فهذه نتيجة من نتائج الحرية التي يتمتع بها الشعب العراقي، ولكن هذا الشعب خرج عن طوره، ووعيه بالديمقراطية التي لم يتعودها، فأصبحت ديمقراطية الأحذية نوعاً من أنواع الترف لديه.. فالشعب العراقي كما هو واضح وجلي، يتمتع اليوم برفاهية، وحرية مطلقة. ونتيجة لذلك فإنه يعيش أزهى وأجمل عصورالحرية المطلقة. إنه يعيش اليوم في نعيم مقيم، وفي بحبوحة يحسده عليها جميع من على المعمورة . فهو يتمتع بالأمن، والأمان، والدعة، والاستقرار، فلا طائرات تقصف، ولا مجنزرات تجوب الشوارع، ولا جنود مدججون يجوسون خلال الديار العراقية ولا معتقلات، ولا سجون تضيق بأهلها. ولا متفجرات تتربص بالعابرين، ولا أيدٍ خفية تتخطف الناس، ولا نعرات طائفية، ولا عصبيات مذهبية تؤجج الفتنة وتزيد من وتيرة الصراع.. فالناس آمنون في سربهم متساوون كأسنان المشط في حقوقهم، تخيم عليهم السكينة، والدعة، والوقار.. فالعاملون يذهبون إلى أعمالهم في سرور وغبطة، والطلاب يذهبون إلى مدارسهم وجامعاتهم في تفاؤل وابتهاج.. والمصانع تعمل في جدٍ لا يعرف الملل أو الكسل، فأصبحت كل احتياجات العراق تُنتج في داخله إلى حد جعل رجال الجمارك عاطلين عن العمل لأنه لم يعد يدخل العراق شيء مستورد..!! صارت العراق حقلاً فسيحاً من القمح، والنخيل، والأعناب، والورود، فشقائق النعمان تلاقيك ببهجتها وضوعها في كل زاوية إلى درجة أن الأطفال يقطفونها وينثرونها على العابرين، ويرددون أغنية: حضيري أبو عزيز "عمي يا بياع الورد" والناس يشترون وينثرون الورد في الشوارع والطرقات إمعاناً في الترف.. وصار العشاق يبحثون عن أحبتهم الضائعين ويرددون: مرحباً يا عراقُ كيف العباءاتُ وكيف المها وكيف الظباءُ؟ كان عندي هنا أميرةٌ حسن ثُم ضَاعتء أميرتي الحسناءُ إن بغداد "مدينة السلام" حقاً تعيش عرساً لم يعرفه الناس لا في زمن الرشيد ولا في زمن المأمون.. ألم أقل لكم إن السيد بوش كان صادقاً في حِكَمِه "البوشية" التي جعلت العراق حراً آمناً مطمئناً يأتيه رزقه رغداً في كل حين، فالخير يتدفق من كل مكان!! لا شيء يدعو إلى الخوف أو القلق أو الفزع والاكتئاب.. فالأمراض اختفت، أما الذين ماتوا في العراق بسبب الكوليرا في الأشهر الماضية وكان عددهم ألف مصاب فقط، فهذا عدد لا يذكر ولا يعتبر شيئا إذا ما قورن بالطاعون الأسود الذي اجتاح أوروبا منذ ثلاثة قرون فقتل ثلث الشعب الأوربي. وفوق كل هذا وذاك فقد أصبح العراق حراً طليقاً من كل القيود والحدود والسدود.. حتى إن من أراد أن يفصّل جغرافية ثوبه الوطني فله ما يشاء إلى درجة أن الحي الواحد يمكن أن يتحول إلى عدة فيدراليات!! لا أحد يحاسب على إرادته، ولا يعاقب على فعله مادام ذلك في نطاق الديمقراطية البوشية، فحتى ذلك الذي قذف السيد بوش بالحذاء فجعله يتقيه ويراوغ عنه لم ينل أي عقاب، أو عذاب ولم تكسر أضلاعه كما يعامل المتهمون في بعض بلدان العالم المتخلف، وإنما كان جزاؤه فقط أن تمنى أولئك الذين لم يعجبهم فعله تمنوا ان يمشي حافياً فأخذوا يرددون ذلك البيت القديم. آلا ليتَ هارونَ يمشي حافياً وليسَ على هارون خفٌ ولا نعلُ فليمش حافياً يوماً أو يومين، وذلك أقصى أنواع العقاب... وهذا صحيح فإن بعض العرب يرى أن الحفى نوع من أنواع الصغار والهوان.. الم يقل الأعشى شاعر منفوحة: إناّ كَذلِك ما نَحفَى وننتَعَلُ.. في النهاية لست أدري كيف أتحدث وعمّ أتحدث بشان الحرية، والديمقراطية، والأمن، والسلام، وكل هذه المعطيات والمنجزات الحضارية الرائعة التي تحققت على يد السيد بوش وجنوده.. غير أن الأمانة تقتضي أن نقول: شكراً يا سيد بوش فقد دخلت العراق أول مرة مزهواً كطاووس، وخرجت منه مودعاً بأحذية الحرية، ومثل هكذا حرية تحتاج إلى هكذا حذاء...