من منا لا يتذكر النجم السابق محمد المغنم الشهير ب(الصاروخ)، ذلك المهاجم الخطير والمراوغ السريع الذي يهوى التلاعب بالمدافعين ويعشق مراوغتهم بفضل ما يتميز به من خفة ورشاقة ومهارة. بزغ نجمه مطلع التسعينيات الهجرية وهي الحقبة الحبلى بالمهاجمين الموهوبين وأسماء لامعة في خط المقدمة.. ومع ذلك استطاع (الصاروخ) بمهاراته وثقته بقدراته المتميزة.. ترسيخ أقدامه بقوة في قائمة هؤلاء النجوم الكبار. وشكلت دورة كأس الخليج العربي الثانية في الرياض عام 1392ه نقطة الانطلاقة الناجحة للصاروخ حين شق طريقه الى عالم النجاح بسرعة البرق ولا يزال سجل انجازاته مزهواً بلقبه الخالد كصاحب أسرع هدف في تاريخ دورات الخليج منذ انطلاقتها الاولى قبل أربعة عقود وحتى الآن. ومع اقتراب انطلاقة منافسات دورة الخليج ال 19الشهر المقبل في سلطنة عمان الشقيقة دار حديثنا مع (الصاروخ) حول ما في جعبته من ذكريات خليجية يحملها عن مشاركاته في ثلاث دورات خليجية. طه والجزار! يستهل الصاروخ الأخضر حديث ذكرياته بمشاركته الأولى مع المنتخب في خليجي (2) قبل 37عاماً قائلاً: كنت أصغر اللاعبين الذين اختارهم المدرب المصري الشيخ طه اسماعيل ومساعده عادل الجزار (رحمه الله) لتمثيل المملكة في دورة الخليج الثانية، وكان عمري آنذاك (17) عاماً ولعبت في مركز الجناح الأيمن وعسكرنا في مدينة جدة قرابة ثلاثة أشهر استعداداً للبطولة ولم نشعر بطول مدة المعسكر نظراً للمعاملة الحسنة. والاهتمام الكبير اللذين حظينا بهما كلاعبين من لدن رائد الرياضة السعودية الأول صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل - رحمه الله - الذي أشرف بنفسه على إعداد المنتخب للدورة وكان الأب الروحي لنا وأحاطنا برعايته وعاملنا كأبنائه ولهذا مرت فترة الإعداد الطويلة دون أن نشعر بالملل أو السأم من المعسكر. ويضيف الصاروخ كنت اللاعب الوحيد الذي أختير من نادي الشباب لصفوف المنتخب آنذاك وبعد فترة أستدعي زميلي خالد سرور فكنا أصغر اللاعبين سناً. أول صاروخ في شباك الطرابلسي ويتحدث الصاروخ بفخر واعتزاز عن هدفين مميزين أحرزهما في خليجي (2) قائلاً: كان لي شرف قص شريط أهداف المنتخب السعودي في تلك الدورة بمرمى حامل اللقب منتخب الكويت في المباراة الافتتاحية وكان متقدماً علينا (2/صفر) فقلصت الفارق بهدفي ثم ادرك زميلي النور موسى (رحمه الله) التعادل في واحدة من أهم وأقوى مباريات الدورة وشهدت أضخم حضور جماهيري في تاريخ ملعب الملز منذ افتتاحه. هدف التاريخ أما هدفي الثاني بمرمى منتخب الإمارات الشقيقة فيمثل أول إنجاز تاريخي في مشواري الكروي باعتباره أسرع هدف في تاريخ دورات الخليج حتى الآن وجاء في الثانية ال 17من بداية المباراة وهذا الهدف خلد اسمي طويلاً وظل حاضراً بقوة في ذاكرة تاريخ دورات الخليج حتى اليوم. ولا أنسى بهذه المناسبة الدور الكبير الذي لعبه زميلي الراحل (ساعد رزق) في انجاح مهمتي باحراز الهدفين فكلاهما تمريرتين تلقيتهما من قدمه الهدف الأول نجم عن كرة عرضية ارسلها لي فجلاها الدفاع الكويتي وحولتها إلى شباك الحارس العملاق أحمد الطرابلسي، والهدف الآخر - الاسرع - تحقق بثلاث نقلات إذ كانت السنترة بحوزتنا فارسل صالح العبدالكريم الكرة طويلة من الوسط إلى الجناح الأيسر ساعد رزق (رحمه الله) الذي مررها بسرعة أمامي لانقض على الكرة واسددها في المرمى الإماراتي بعد (17) ثانية فقط من صافرة بداية المباراة. عبدالله الفيصل لم يشاهد المباراة!! واتذكر أن الأمير عبدالله الفيصل لم يشاهد المباراة في الملعب واكتفى بمتابعتها عبر راديو سيارته لأن أعصاب سموه (رحمه الله) لم تتحمل مشاهدتها على الطبيعة وبعد المباراة قال لي (أبو خالد) (رحمه الله): (ما امداني افتح الراديو.. إلا بيقولوا هدف سعودي). كما أن عدد كبار مشجعي الأخضر علقوا بظرافه على اسرع هدف بقولهم: (ما امدانا نجلس على الكراسي في المنصة إلا قايمين مع الهدف). ومن الذكريات العالقة في ذهني عن رائد الرياضة الأول الأمير عبدالله الفيصل نظرته الحانية لأبنائه اللاعبين وتوجيهه الدائم لهم وقد سبق لسموه أن اجتمع بي وخالد سرور ومحسن بخيت - وكنا اصغر اللاعبين - أكثر من مرة. وبعد نهاية الدورة عرض علي سموه الانتقال للأهلي.. فقلت له: "ما أقدر أبعد عن أهلي". ذكرى سيئة! ويعود الصاروخ بذكرياته إلى منافسات خليجي 2في الرياض عام 1392ه متناولاً أحداث مباراة تقدم فيها المنتخب السعودي بثلاثة أهداف على حساب شقيقه البحريني لكنها انتهت بصورة سلبية غير متوقعة فيقول: أشركني المدرب الشيخ طه في الشوط الثاني من تلك المباراة الشهيرة فصنعت هدفاً للغراب وهيأت له كرة أخرى نجمت عنها ضربة جزاء تصدى لها الغراب بنجاح محرزاً الهدف الثالث وكنا بحاجة ماسة لهدفين إضافيين لضمان الفوز بكأس الدورة عقب تساوينا في رصيد النقاط مع المنتخب الكويتي الشقيق وتقدمه علينا بفارق أربعة أهداف. لكن حدث ما لم يكن في الحسبان حين طغت الألعاب الخشنة على أداء معظم لاعبي المنتخب البحريني الشقيق بصورة مدروسة في محاولة منهم لاعاقتنا عن إضافة المزيد من الأهداف في شباكهم وبسبب تلك المخاشنات المتعمدة ضد زملائي قام حكم المباراة بطرد لاعبين من البحرين وعندها قرروا الانسحاب من الملعب باعتبارها الوسيلة الوحيدة لحرماننا من الفوز بالكأس على أساس ان نتيجة المباراة بعد الانسحاب ستسجل بهزيمتهم (2/صفر) طبقاً للوائح الدورة وهو ما يعني ان الكويت ستتوج بالبطولة بفارق هدفين عنا وهذا ما حدث. أبو داود والعبدالكريم الأبرز وعن أبرز اللاعبين السعوديين الذين قدموا مستويات لافتة في خليجي 2يستطرد الصاروخ قائلاً: أولهم قائدنا عبدالرزاق أبو داود بقوة أدائه وصلابته وحسن توجيهاته كما تميز ثنائي الوسط صالح العبدالكريم ومبارك الناصر بالتوزيع السليم للكور. (ساعد رزق) لن يتكرر أما المايسترو ساعد رزق (رحمه الله) فلا يمكن ان يظهر جناح أيسر مثله في الملاعب السعودية.. ويعجبني فيه تسحيبه للمدافعين وتوغله داخل المنطقة وتسديداته المحكمة في الزوايا الضيقة.. انه باختصار لاعب كبير لم يأخذ حقه كاملاً. أما الفرق الأخرى فاعجبني في المنتخب الكويتي ما يسترو الوسط فاروق إبراهيم (رحمه الله) بجانب الجوهرة جاسم يعقوب الذي ظهر بمستوى رائع برغم صغر سنه في خليجي (2) فضلاً عن محمد غانم في منتخب قطر وعلى سهيل بمنتخب الإمارات خلال خليجي (3) في الكويت. وعلى صعيد الهدافين يقف في قمة الهرم المهاجم الكبير سعيد غراب هداف خليجي (2) وهو لاعب كبير مشهود له بالموهبة والمهارة والحرفنة. الدنيني نجم ولا كل النجوم أما مثلي الأعلى في الملاعب السعودية فكان مهاجم النصر الراحل أحمد الدنيني الذي تأثرت بأسلوبه في اللعب واللي كان يعمله في الملعب طبقته على نفسي. لقد شدني الدنيني (رحمه الله) بسرعته وقوة التسديد وإجادة المراوغة ومنه تعلمت كيف أشق الملعب ومهارة الشوت والسرعة. وفي صغري كان المايسترو أحمد الدنيني (يسحبني) في مدرجات ملعب الصايغ.. ذلك انني كنت حريصاً على مراقبته عن كثب واتنقل في شوطي المباراة بين مدرجات الدرجتين الاولى والثانية لمتابعته عن قرب والاستمتاع بمهاراته واسلوبه المميز في المراوغة والتسحيب. (كفوف) المراوغة!! شغفي بالمراوغة والاحتفاظ بالكرة كلفني الكثير في بداياتي الكروية بنادي الشباب وأتذكر ان مدربه السوداني الفاضل بخيت ياسين (رحمه الله) وهو من خيرة المدربين الذين مروا على نادي الشباب وجه لي في إحدى التمارين ثلاث صفعات وحينما سألته عن السبب اجابني رحمه الله: (علشان ما تتعود تحتفظ بالكورة وتتعور)!! كان هذا المدرب القدير بمثابة الأب لنا وكان يوجهنا بالكلام وباليد!! وبالفعل حين أتذكر اسرع هدف سجلته في تاريخ دورات الخليج.. أتذكر معها تلك الكفوف الثلاثة التي وجهها المرحوم بخيت الى وجهي. خسارة الكويت غير طبيعية!! ويعود الصاروخ .... حديثه إلى ما تبقى في ذاكرته من احداث ومواقف في خليجي 3بالكويت عام 1394ه وخليجي 4بقطر عام 1396ه فيقول: بعد مشاركتي الناجحة في خليجي 2بالرياض اختارني المدرب المصري الراحل محمد صالح الوحش ضمن قائمة المنتخب السعودي لدورة الكويت وكانت نتائجنا على خير ما يرام حتى المباراة الختامية التي خسرناها بنتيجة ثقيلة (صفر/4) ولكن لها أسبابها الخاصة التي لاتخفى على العارفين ببواطن الأمور!!