من إحدى المزايا الطيبة للعودة إلى المملكة العربية السعودية والاضطلاع بمنصب دبلوماسي للمرة الثانية هو الفرصة للتواصل مع اصدقائي السعوديين. لقد عرفت الكثير منهم منذ زمن بعيد وانني احترم حكمتهم وآرائهم . غير ان ما يبعث على الحزن هو ان اسمعهم يقولون ان بريطانيا او الغرب ليسوا جادين بشأن تحقيق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين. إن مايمكن ان يقال عن تاريخ الشرق الاوسط اكثر بكثير مما استطيع ان اذكره في هذا المقال. لكنني اريد ان اتحدث عن المستقبل، عن طبيعة الحل الذي نريد ان نراه وعن ما نقوم به الآن من اجل تحقيقه. ترأس رئيس الوزراء فياض في الاسبوع الماضي وفدا من رجال الأعمال الفلسطينيين للمشاركة في مؤتمر في لندن يهدف إلى تشجيع قطاع الاعمال في الاراضي الفلسطينية المحتلة. وحضر المؤتمر 140رجل أعمال فلسطينياً وبريطانياً. وفي خطابه امام المؤتمر، قال جوردون براون "ان اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة تتطلب اقامة اقتصاد فلسطيني مستديم، قابل للحياة وقطاع خاص مزدهر". ويظهر تاثير الروابط الاقتصادية الحالية من خلال ارتفاع الصادرات البريطانية إلى الأراضي الفلسطينية بمقدار 300% في هذا العام وكذلك ارتفاع الصادرات الفلسطينية إلى بريطانيا بمقدار 50% في الفترة ذاتها، مما يعود بالفائدة المشتركة على كل من بريطانيا وفلسطين بفعل تحسن التبادل التجاري. أعلم ان القضية الفلسطينية هي في الاساس قضية سياسية وان اهمية التنمية الاقتصادية تتضاءل في ظل تصاعد العنف وازدياد نشاط بناء المستوطنات، مما يجعل السلام ابعد منالا. وغالبا ما يقال لي ان بريطانيا والغرب لايتخذون موقفا صلبا بالقدر الكافي تجاه اسرائيل. دعوني أستشهد بما كتبه جوردون براون في رسالة علنية إلى رئيس الوزراء فياض في الاسبوع المنصرم: "ان المستوطنات المقامة في الأرض المحتلة سواء في القدسالشرقية اوالضفة الغربية ليست اسرائيل. انها مستوطنات غير شرعية وفقا للقانون الدولي وتجعل من تنفيذ حل الدولتين اكثر صعوبة وتقوض الثقة في عملية السلام.. ينبغي ان تقام الدولة الفلسطينية المستقبلية على اساس حدود عام 1967وان تكون القدس عاصمة لكل من اسرائيل وفلسطين". والاعمال تؤيد الاقوال. ففي الرسالة ذاتها الموجهة إلى رئيس الوزراء فياض، قال جوردون براون: "تدرس المملكة المتحدة الآن الاجراء الفاعل الذي نستطيع اتخاذه لمنع التوسع الاستيطاني". ويتضمن ذلك استخدام السياسات القائمة حاليا لمنع منتجات المستوطنات من الوصول إلى اوروبا وتزويد المنتجات الفلسطينية بملصق يبين مصدرها حتى يتسنى للمستهلك البريطاني اختيار شرائها. كما يتضمن ذلك تحذير المهتمين بشراء ممتلكات في المستوطنات من احتمال خسارة منازلهم عندما يتم توقيع اتفاق السلام. إنني أعمل في الشرق الاوسط منذ مدة طويلة تؤهلني لمعرفة ان التفاؤل بشأن عملية السلام غالبا ما ينتهي إلى خيبة الامل. لكنني اعتقد جازما بأننا ندين إلى اولئك الذين يعانون من النزاع بالاستمرار في السعي من اجل السلام. لا أحد يدعي ان الأمر سيكون سهلاً. بيد ان الحكومة البريطانية تضاعف جهودها بهذا الصدد وقد انصب اهتمام وزير الخارجية ديفيد ميليباند شخصيا على هذه القضية. ان وزير الخارجية مقتنع بان مبادرة السلام العربية ستلعب دورا مهما وقد عمل الوزير عن كثب مع صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل لضمان فهم اهمية مبادرة السلام العربية بشكل افضل. وقد قاد خادم الحرمين الشريفين شخصيا العالم العربي بشأن هذه القضية. آمل ونحن نتطلع إلى العام 1430و 2009ان تتفق الشعوب في الشرق الاوسط وفي العالم بأسره بأنه يكفي ما شاهدنا من عنف ومعاناة. لن اقول بأننا سنحقق السلام في نهاية العام القادم، فالسلام ليس له حد زمني. ان ما نحتاج إليه هو ان نستمر في المحاولة والالتزام بعمل كل ما نستطيع. @ سفير بريطانيا لدى المملكة