ارتفع الرقم القياسي لتكاليف المعيشة في المملكة (مؤشر التضخم) في شهر سبتمبر عام 2008م بنسبة 10,4 في المئة مقارنةً بمستواه في نفس الشهر من العام السابق. ومنذ شهر مايو 2007م ومعدل التضخم في ارتفاع مستمر، إلا أنه كان يرتفع بمعدلات متزايدة خلال النصف الثاني من عام 2007م والربع الأول من عام 2008م، ومنذ إبريل 2008م ظل معدل التضخم فوق مستوى العشرة في المئة (الشكل رقم 1). ويستند هذا التقرير على أحدث البيانات التي تنشرها مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات حول الأرقام القياسية لتكاليف المعيشة، ويتناول المحاور التالية: -معدلات التضخم حسب المجموعات الرئيسة. -معدلات التضخم حسب مدن المملكة الرئيسة. -تأثير السلع المستوردة على معدل التضخم في المملكة. -معدل التضخم الأساسي «Core Inflation» في المملكة. -مقارنة معدل التضخم في المملكة بمثيلاته في بعض دول العالم. -أسعار السلع الأساسية في الأسواق العالمية. -توقعات التضخم في المملكة. 1-معدلات التضخم حسب المجموعات الرئيسة: يوضح (الشكل 2) أن معظم الزيادة في معدل التضخم السنوي في شهر سبتمبر 2008م ناتجة عن ارتفاع أربع مجموعات رئيسة هي: -مجموعة السكن وتوابعه (الترميم والإيجار والوقود والمياه) التي ارتفعت بنسبة 18,3 في المئة. -مجموعة الأطعمة والمشروبات التي ارتفعت بنحو 15,5 في المئة. -مجموعة سلع وخدمات أخرى التي ارتفعت بنسبة 8,8 في المئة. وتتكون المجموعة من ثلاث مجموعات فرعية هي: مجموعة مواد النظافة والعناية الشخصية، ومجموعة سلع شخصية، ومجموعة نفقات وخدمات أخرى. -مجموعة التأثيث المنزلي التي ارتفعت بمعدل 7,9 في المئة 2-معدلات التضخم حسب مدن المملكة الرئيسة: أحدث البيانات المنشورة حول معدل التضخم في مدن المملكة الرئيسة هي بيانات شهر أغسطس 2008م. وقد سجلت مدينة بريدة أعلى معدل تضخم في هذا الشهر مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، حيث بلغ معدل التضخم فيها 14,3 في المئة. وجاءت مدينة حائل في المرتبة الثانية بمعدل 13,9 في المئة، ثم مدينة الدمام بمعدل 12,8 في المئة، تلتها مدينة الرياض بمعدل 12,0 في المئة، ثم مدينة نجران بمعدل 11,4 في المئة. بينما سجلت مدينة عرعر أقل معدلات التضخم بنسبة 7,9 في المئة (الشكل 3). 3-تأثير السلع المستوردة على معدل التضخم في المملكة: 3/1- آلية تصنيف السلع المحلية والسلع المستوردة: تحتوي سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة المعدة من قبل مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات –بعد حذف أحد بنودها – على 405 بنود موزعة على ثمان مجموعات، وقد صُنّفت نشرة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة إلى سلع محلية وسلع مستوردة وفقاً للآتي: -سلع محلية بطبيعتها، مثل التمور والكهرباء والبنزين ....الخ. -سلع مستوردة بطبيعتها، مثل الأرز، ومعظم الأجهزة الإلكترونية، والسيارات .....الخ. -سلع مصنفة بحسب المصدر من قبل المصلحة، مثل طماطم محلي وطماطم مستورد ...الخ. -سلع أخرى (اجتُهد في تصنيفها)، تمثل 2,7٪ من إجمالي عدد بنود سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. ووفقاً لهذه الآلية بلغ عدد البنود المحلية في سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة 186 بنداً، وعدد البنود المستوردة 219 بنداً. 3/2- الأوزان النسبية للبنود المحلية والمستوردة في المؤشر: الجدول رقم (1) والشكل رقم (4) يلخصان نتائج تقدير أوزان البنود المحلية والمستوردة في سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. وتتلخص أبرز المشاكل التي تواجه هذه النتائج في أن بعض السلع المستوردة يدخل في تسعيرها عوامل تكلفة محلية مثل خدمات النقل والتغليف. وفي الجانب الآخر فإن بعض السلع المحلية يدخل في مكوناتها مواد مستوردة (مواد خام وربما سلع وسيطة). لكن يمكن الاستعانة بالنتائج كمؤشر تقريبي للتأثير المحلي والخارجي على أسعار سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. ولابد من الإشارة إلى أنه لا يمكن تفسير النتائج بأنها بسبب التمرير (Pass Through) لصعوبة فصل التغيرات في الأسعار الناشئة عن تغيرات سعر الصرف، وتغيرات تكاليف الإنتاج، ومبالغة بعض المستوردين في رفع الأسعار. 3/3- تأثير السلع المستوردة على معدل التضخم في المملكة: وفقاً لآلية التقدير أعلاه بلغ معدل التضخم في السلع المستوردة 3,53 في المئة في شهر أغسطس 2008م مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، ويمثل حجم تأثير السلع المستوردة ما نسبته 32,35 في المئة من معدل التضخم العام في المملكة. بينما تأتي معظم الزيادة في معدل التضخم في المملكة من ارتفاع أسعار السلع والخدمات المحلية التي بلغ معدل التضخم فيها 7,38 في المئة خلال نفس الفترة، ويمثل حجم تأثير السلع والخدمات المحلية ما نسبته 67,65 في المئة من معدل التضخم في المملكة (الجدول 2 والشكل 5). 4-معدل التضخم الأساسي «Core Inflation» في المملكة: معدل التضخم الأساسي «Core-Inflation» هو الرقم القياسي لأسعار المستهلكين «Consumer Price Index-CPI» بعد استبعاد العناصر غير المستقرة التي لا تعد مقياساً للتضخم في المدى الطويل. لذلك تهتم معظم البنوك المركزية بهذا المعدل لأنه أقل تأثراً بالعوامل الخارجية (مثل أسعار الطاقة في بعض الدول)، أو العوامل المناخية (مثل أسعار السلع الزراعية)، أو العوامل الموسمية، أو تأثير بعض السياسات المالية (مثل السلع التي تفرض عليها ضريبة عالية ومتغيرة كالدخان والكحول). وفي الآونة الأخيرة بدأ يتزايد الاهتمام بمعدل التضخم الأساسي «Core-Inflation» الذي يعد مقياساً مناسباً للتغير في المستوى العام للأسعار في المدى الطويل، وهذا ما يجعل المؤشر أكثر ارتباطاً بنمو عرض النقود، وبالتالي بالسياسة النقدية في البلاد. هذه الحقيقة تقودنا إلى الاهتمام أكثر بمستويات التضخم المتوقعة في المدى المتوسط والطويل، ولا شك أن أفضل الأساليب المتبعة لتقدير معدل التضخم في المستقبل هي التي تستبعد التأثيرات المؤقتة والموسمية، لذا سعى الاقتصاديون إلى ابتكار مؤشر التضخم الأساسي (Core-Inflation) الأكثر تمثيلاً للواقع في المستقبل لأنه يركز على النزعة التضخمية «Trend Inflation» التي تمر بها اقتصادات الدول. وينبغي أن لا ينظر إلى معدل التضخم الأساسي على أنه بديل للرقم القياسي لتكاليف المعيشة الذي تحسبه مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، وأن الهدف منه هو التقليل من حدة ارتفاع معدلات التضخم وتأثيراتها السلبية على تكاليف المعيشة. وإنما هو مؤشر مكمل لبقية مؤشرات التضخم كالرقم القياسي لتكاليف المعيشة، والرقم القياسي لأسعار الجملة، ومعامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي، والهدف الرئيس من حسابه هو قياس النزعة التضخمية المساعدة على توقع معدلات التضخم في المستقبل ووضع السياسات الملائمة للتقليل من حدتها أو علاج أثارها. حيث يتم استبعاد العناصر غير المستقرة سواءً في حالة ارتفاع أو انخفاض أسعارها. وقد أظهرت النتائج أن معدل التضخم الأساسي في المملكة ارتفع بنسبة 7,47 في المئة في شهر أغسطس عام 2008م مقارنةً بمستواه في نفس الشهر من العام السابق، في حين سجل معدل التضخم (الرقم القياسي لتكاليف المعيشة) ارتفاعاً بلغت نسبته 10,9 في المئة خلال نفس الفترة. وهذا يعني أن ما نسبته 3,4 في المئة من حجم التضخم يعتبر مؤقتاً أو موسمياً (الجدول 3 والشكل 6). وارتفع معدل التضخم الأساسي لمجموعة الأطعمة والمشروبات بنسبة 8,8 في المئة في شهر أغسطس 2008م مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، مقابل ارتفاع بلغت نسبته 15,8 في المئة في سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة خلال نفس الفترة. وارتفع معدل التضخم الأساسي لمجموعة الترميم والإيجار والوقود والمياه بنسبة 18,5 في المئة مقابل ارتفاع بنفس النسبة تقريباً في سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. وارتفع معدل التضخم الأساسي لمجموعة سلع وخدمات أخرى بنسبة 8,8 في المئة مقابل ارتفاع بلغت نسبته 13,4 في المئة في سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. وارتفع معدل التضخم الأساسي لمجموعة التأثيث المنزلي بنسبة 5,3 في المئة مقابل ارتفاع بلغت نسبته 6,7 في المئة في سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. وارتفع معدل التضخم الأساسي لمجموعة التعليم والترويح بنسبة 2,6 في المئة مقابل ارتفاع بلغت نسبته 3,1 في المئة في سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. وارتفع معدل التضخم الأساسي لمجموعة الرعاية الطبية بنسبة 2,6 في المئة مقابل ارتفاع بنفس النسبة تقريباً في سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. وارتفع معدل التضخم الأساسي لمجموعة الأقمشة والملابس والأحذية بنسبة 0,4 في المئة مقابل ارتفاع بلغت نسبته 0,9 في المئة في سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. وارتفع معدل التضخم الأساسي لمجموعة النقل والاتصالات بنسبة 0,2 في المئة مقابل ارتفاع بلغت نسبته 0,3 في المئة في سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة (الشكل 7). 5-مقارنة معدل التضخم في المملكة بمثيلاته في بعض دول العالم: لا يزال معدل التضخم في المملكة أعلى من معدل التضخم في معظم الدول المتقدمة وبعض الدول الناشئة. في حين أن مستويات التضخم في دول الخليج العربية متقاربة باستثناء مملكة البحرين، فبالرغم من تشابه الظروف الاقتصادية التي تمر بها الدول الخليجية؛ لم يتجاوز معدل التضخم في مملكة البحرين 2,7 في المئة في شهر سبتمبر 2008م مقارنة بنفس الشهر من العام السابق (الشكل 8). 6-أسعار السلع الأساسية في الأسواق العالمية: ارتفع مؤشر صندوق النقد الدولي لأسعار السلع الأساسية بنسبة 25,0 في المئة في شهر سبتمبر 2008م مقارنةً بنفس الشهر من العام السابق. وسجل المؤشر أعلى مستوى له خلال العام عند 62,2 في المئة في شهر يونية. وحدثت معظم الزيادة بسبب ارتفاع مؤشر أسعار الطاقة بنسبة 36,5 في المئة، ومؤشر أسعار المشروبات بنسبة 26,8 في المئة. بينما سجل مؤشر أسعار المدخلات الصناعية انخفاضاً بلغت نسبة 3,5 في المئة بسبب تراجع مؤشر أسعار المعادن بنسبة 6,1 في المئة (الجدول 4 والشكلان 9 و10). 7- توقعات التضخم في المملكة: التنبؤ بمستقبل المتغيرات الاقتصادية هو أصعب ما يواجه الاقتصاديين، فالسياسة الاقتصادية الناجحة لابد أن تكون مبنية على توقعات صحيحة، أو على الأقل مرنة بدرجة كافية للتصحيح بأقل التكاليف. لكن أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي فهم الحاضر (تشرشل)، وهنا تكمن المشكلة، فمضاربات العقود الآجلة في أسواق السلع الأساسية حدت من قدرة الأسواق على تحقيق التوازن وأوجدت تشويهات عميقة في قوى العرض والطلب. وقد طالت المضاربات كافة السلع المتاجر بها دولياً، ولم تقف عند هذا الحد بل امتدت للسوق العقارية من خلال المشتقات (تسنيد القروض العقارية). لقد توصل الباحثان (Steghen G Cecchetti & Richhild Moessner) في دراستهما حول «أسعار السلع الأساسي ومعدلات التضخم» إلى أن الارتفاعات القياسية في أسعار السلع الأساسية في منتصف عام 2008م أدت إلى ارتفاع معدل التضخم في معظم دول العالم. ويعتقد الباحثان أن ارتفاع أسعار الأطعمة أقوى تأثيراً على معدلات التضخم من ارتفاع أسعار الطاقة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ متوسط معدل التضخم في المملكة 11,45 في المئة في عام 2008م مقارنة بالعام السابق، وأن ينخفض في عام 2009م ليصل إلى 10,01 في المئة، ثم 8,02 في المئة في عام 2010م (الشكل 11). إلا أننا نتوقع أن ينخفض معدل التضخم خلال عام 2009م إلى ما دون 10,0 في المئة، وقد يصل في نهاية العام إلى 5,0 في المئة. وذلك بسبب تحسن سعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسة وخاصة اليورو الذي انخفض أمام الدور بنسبة 22,1 في المئة من 1,599 دولار في 15 يولية 2008م (أعلى قيمة له في تاريخه) إلى 1,2460 دولار في 27 أكتوبر 2008م (الشكل 12). يضاف إلى ذلك انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل بعد الارتفاعات القياسية التي سجلها مزيج برنت عند 145 دولاراً للبرميل في منتصف عام 2008م مرتفعاً بنسبة 470 في المئة عن قيمته في بداية عام 2000م. وكذلك توقعات البنك الدولي بانخفاض أسعار الأطعمة بنسبة 23 في المئة وأسعار المعادن بنسبة 26 في المئة خلال النصف الأول من عام 2009م، وقد سجلت الأطعمة ارتفاعات قياسية بلغت نسبتها 150 في المئة في منتصف عام 2008م مقارنة بما كانت عليه في بداية عام 2000م.